قال الله تعالى : " واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون * إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم
مرسلون * قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون * وما علينا إلا البلاغ المبين * قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم
منا عذاب أليم * قالوا طائركم معكم أإن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون * وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون * وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه
ترجعون * أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون * إني إذا لفي ضلال مبين * إني آمنت بربكم فاسمعون * قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من
المكرمين * وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين * إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون " .
اشتهر عن كثير من السلف والخلف أن هذه القرية أنطاكية رواه ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس وكعب الأحبار ووهب ابن منبه ، وكذا روى عن بريدة بن الخصيب وعكرمة قتادة والزهري وغيرهم . قال ابن إسحاق فيما بلغه
عن ابن عباس وكعب ووهب أنهم قالوا : وكان لهم ملك اسمه انطيخس بن أنطيخس وكان يعبد الأصنام . فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل وهم : صادوق ومصدوق وشلوم ، فكذبهم .
وهذا ظاهر أنهم رسل من الله عز وجل ، وزعم قتادة أنهم كانوا رسلاً من المسيح . وكذا قال ابن جرير ، عن وهب ، عن ابن سليمان ، عن شعيب الجبائي : كان اسم المرسلين الأولين : شمعون ، ويوحنا ، واسم الثالث بولس
، والقرية أنطاكية .
وهذا القول ضعيف جداً ، لأن أهل أنطاكية لما بعث إليهم المسيح ثلاثة من الحواريين كانوا أول مدينة آمنت بالمسيح في ذلك الوقت . ولهذا كانت إحدى المدني الأربع التي تكون فيها بتاركة النصاري . وهن : أنطاكية
، والقدس ، والإسكندرية ، ورومية ، ثم بعدها القسطنطينية ولم يهلكوا . وأهل هذه القرية المذكورة في القرآن أهلكوا ، كما قال في آخر قصتها بعد قتلهم صديق المرسلين : " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون
" ولكن إن كانت الرسل الثلاثة المذكورون في القرآن . بعثوا إلى أهل أنطاكية قديماً فكذبوهم وأهلكهم الله ، ثم عمرت بعد ذلك ، فلما كان في زمن المسيح آمنوا برسله إليهم ، فلا يمنع هذا . . والله أعلم .
فأما القول بأن هذه القصة المذكورة في القرآن هي قصة أصحاب المسيح فضعيف لما تقدم ، ولأن ظاهر سياق القرآن يقتضي أن هؤلاء الرسل من عند الله .