الأعشى
(000 ـ 8هـ/ 000 ـ 629م)
أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل، من بطن بني قيس بن ثعلبة الذي ينتمي إلى قبيلة بكر الربعية. كان يقال لأبيه قتيل الجوع لأنه دخل غاراً يستظل فيه من الحر فوقعت صخرة عظيمة من الجبل فسدت فم الغار فمات فيه
جوعاً. ولقب بالأعشى لضعف بصره، وبالأعشى الأكبر للتفريق بينه وبين بقية الشعراء الذين عرفوا بالأعشين، كأعشى تغلب وأعشى بني شيبان. وأبو بصير ميمون أشهرهم وأجودهم شعراً. كما لقب بصنّاجة العرب لما في شعره
من رنين الموسيقى، وهو شاعر جاهلي قديم من شعراء الطبقة الأولى عند ابن سلاّم.
ولد الأعشى بقرية منفوحة باليمامة ونشأ راوية لخاله المسيَّب بن عَلَس، وتزوج امرأة من عَنَزة، ولم يستحسن خُلقها فطلّقها وقال في ذلك قصيدة جميلة. وتحدث عن ابنته في قصيدة أخرى، فصورها حريصة على
استبقائه وتجنيبه أهوال السفر. كما ذكر فقد بصره في قصيدة مدح بها النعمان بن المنذر. وصوّر شيخوخته المظلمة في مواضع متفرقة من ديوانه.
كان الأعشى سخياً كريماً على صحبه ورفاقه من الفتيان، يجتمعون إليه في منزله فيأكلون ويشربون الخمرة. وقد بلغ من وفائهم له بعد موته أنهم كانوا ينادمون قبره فيسقونه الخمر ميتاً كما كان يسقيهم إياها
حياً.
وكان الأعشى في حاجة دائمة إلى المال، فراح يطوف بلاد العرب قاصداً الملوك والأشراف يمدحهم وينال عطاءهم. فغرق بالترف وجزيل العطايا من إبل وجياد وقيان وأكسية الخز والديباج. وقد وصلته هذه الرحلات بأسباب
الحضارة ورفعته فوق مستوى البداوة الخشنة، وأثّر ذلك في غزله وخمرياته. كما أتاحت له أسفاره ثقافة تاريخية قلّ أن جاراه فيها شاعر جاهلي، كالذي يُرى في شعره من أخبار طسم وجديس وعاد وثمود وأخبار ملوك الفرس
والروم. تنسب إلى الأعشى قصيدة في مدح النبي محمد r وقيل إنه أراد الإسلام فحال أبو سفيان بينه وبين ذلك. فعاد إلى بلده فلما كان بقاع منفوحة رمى به بعيره فقتله.
لكن رحلات الأعشى إلى الملوك والأمراء لم تصرفه عما ينبغي للشاعر الجاهلي من المشاركة في شؤون قبيلته والإخلاص لقومه وعشيرته. فقد كان شاعر بكر وربيعة، الذي يسجل انتصاراتهم ويهاجم أعداءهم، ويؤرخ وقائعهم
مشيداً بأبطالهم مندداً بخصومهم.
قدّمت طائفة من النقاد القدماء الأعشى وفضلوه على غيره من الشعراء، ومنهم أبو عمرو بن العلاء. وقد جعله ابن سلام في الطبقة الأولى من فحول الشعراء الجاهليين وقيل فيه إنه أشعر الناس إذا طرب. ومن قدّم
الأعشى يحتج بكثرة طواله الجياد، وتصرّفه في المديح والهجاء وسائر فنون الشعر، وليس ذلك لغيره. ويقال إنه أوّل من سأل (تكسّب) بشعره. وهو صاحب أول قصة شعرية في الجاهلية، إذ مدح الشاعر شريح بن السموأل
راوياً قصة وفاء السموأل بن عادياء. ويغلب على شعر الأعشى اللون القصصي الحماسي، فالشاعر أدنى إلى القاص الذي يسجل أحداث عصره. وقد أولع الأعشى ببعض أساليب كثر دورانها في شعره، أهمها أربعة وهي: وحدة
القصيدة، والاستدارة، والاستطراد، والقصص.
اشتهر الأعشى بالمديح والغزل، وكان له أثر كبير في زمانه، حتى قيل إنه ما مدح أحداً في الجاهلية إلا رفعه، وقصة مدحه للمحلَّق الكلابي مشهورة في كتب الأدب.
وشُهر الأعشى عند القدماء بشعر الخمر، فهو أشعر شعرائها بين الجاهليين. وقد جاء شعره في الخمر مخالفاً لسائر الشعر الجاهلي، تشيع فيه الحياة، ويشف عن الصلة العاطفية التي تقوم بين الشاعر وموضوعه. واتسمت
خمرياته بالسهولة والسلاسة وتدفق العاطفة. وكان موفقاً في اختيار القوالب الشعرية التي تناسب هذا الفن. وهو مؤسس فن الشعر الخمري عند العرب. وقد جعله ابن سلام الجمحي من الشعراء الذين كانوا ينعون على
أنفسهم (يشهّرون) ويتعهّرون. وغزله حسي مادي، ولم تكن المرأة في نظره إلا وسيلة من وسائل اللهو: فهو لا يعشق، وحبه متصل بشهوته، وفراق المرأة لا يشجيه، ولا يؤثر فيه إلى أبعد من تأثُّر العابث بفقد وسيلة
عبثه، فينصرف إلى وسيلة أخرى بعد قليل. فالحب عنده لون من ألوان المغامرة والصراع وطموح للظفر والامتلاك. وكثير من غزل الأعشى يصور نساء غير عربيات، وبعضهن من القيان كهُريرة وقتيلة وجُبيرة وغيرهن. أما
القصص في غزله فللشاعر فيه أسلوب يميزه من سائر الجاهليين ولا يكاد يجاريه إلا امرؤ القيس [ر]. ولكن الأعشى لم يبلغ في هذا الأسلوب مابلغه عمر بن أبي ربيعة[ر]. فقد كان الأعشى قصير النفس فيه، لا ينساق له
نسق القصص ولا يكاد يوغل فيه وإنما هي لمحات قصيرة خاطفة، ومجرد حكاية وسرد.
ج.ت
الموضوعات ذات الصلة
الأدب العربي.
مراجع للاستزادة
ـ ديوان الأعشى الكبير، شرح وتعليق محمد محمد حسين (المكتب الشرقي للنشر والتوزيع، بيروت).
ـ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، ج9 (دار الكتب المصرية، القاهرة 1936).
ـ محمد محمد حسين، أساليب الصناعة في شعر الخمر والناقة بين الأعشى والجاهليين (الاسكندرية 1960).