يتفاوت الناس في الإيمان الذي وقر في قلوبهم ما بين مؤمن قوي وضعيف، ويختلف الناس لاختلاف ذلك الإيمان الذي وقر في قلوبهم، ويظهر ما وقر في القلب هذا في التصرف
والسلوك والأخلاق والمعاملات. وقد بين الله لنا في كتابه أنه سيجمع الأولين والآخرين في يوم لا يغادر الله فيه صغيرة ولا كبيرة. والإيمان باليوم الآخر قدمه الله على كثير من أركان الإيمان، فقال الله جل في
علاه: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]، فقدم الله الإيمان بالله وباليوم الآخر على سائر أركان الإيمان؛ والسبب: أن الإيمان بذلك اليوم هو الذي
يحرك الإنسان في حياته، فمن علم أنه عبد لله، وعلم أنه سيقف بين يدي ربه جل في علاه، وعلم أنه سيسأل عن كل صغيرة وكبيرة فكيف يكون حاله في دنياه؟ وكيف يكون حال من قدر الله حق قدره، واستشعر عظمة الله،
واعلم أن الله مطلع عليه ويعلم سره ونجواه؟! كيف يؤثر ذلك في سلوكه وفي تصرفاته؟ وانظر في واقع الناس اليوم فإنهم يدعون أنهم يؤمنون بالله وباليوم الآخر لكن لا ترى لإيمانهم أثراً واقعاً ملموساً في حياتهم،
بل تراهم يتهاونون في الطاعات ويتساهلون في المحرمات! فلماذا هذا؟ لأنهم ما قدروا الله حق قدره. وقبل هذا اليوم العظيم أمور عظام، فكيف أنت إذا أشرقت الشمس من مغربها؟ وكيف أنت إذا سار المسيح الدجال في
الأرض؟ وكيف أنت إذا خرجت الدابة تكلم الناس وتقول لهم: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون؟ وكيف أنت إذا فتحت يأجوج ومأجوج وظهرت هذه الآيات العظام؟! فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ
بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18]. فالمؤمن الذي قدر الله حق قدره إذا رأى هذه الآيات الصغار التي تدل على قرب الآيات العظام استعد أشد الاستعداد لملاقاة الله جل في علاه، فأنت قد تصبح ولا تدرك
المساء، وأنت قد تمسي ولا تدرك الصباح، فلا بد من الاستعداد، ومن مات فقد قامت قيامته، واسمع إلى قول أولئك الذين ما قدروا الله حق قدره إذا رأوا آيات الله العظام يوم يقفون بين يدي الجبار جل في علاه:
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27]. فقال الله راداً عليهم: بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا
كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28]. فكيف كان حالهم في دنياهم؟ قالوا: إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ
بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا
يَزِرُونَ * وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ * قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ
فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:29-33].