البرامكة أو كما يسمون بالفارسية (برمكيان) هم عائلة ترجع اصولها إلى جدهم الأول برمك المجوسي، وكان من سدنة بيت النار وخدامه الكبار، ولا يذكر له إسلامًا ، كانت
للبرامكة مكانة عالية في الدولة العباسية ، فقد كان يحيى بن خالد البرمكي مسؤولاً عن تربية الرشيد ، اما زوجته فقد ارضعت الخليفة هارون الرشيد، وقد قام يحيى بن خالد على امر وزارة الرشيد وقد فوضه الرشيد
بكل الأمور. اما الفضل بن يحيى بن خالد فقد كان اخو الرشيد من الرضاعة ووكله على تربية ابنه الأمين بن هارون الرشيد.
البيعة للأمين بولاية العهد لم يكد الأمين يبلغ الخامسة من عمره حتى اجتهدت أمه زبيدة وأخواله في أن تؤول إليه ولاية العهد، لتكون الخلافة له من بعد أبيه.
وبالرغم من أن الرشيد كان يتوسم النجابة والرجاحة في "عبد الله المأمون"، ويقول: "إن فيه حزم المنصور، ونسك المهدي، وعزة الهادي، ولو شئت أن أقول الرابعة مني لقلت"- فإنه قدَّم محمدا بن زبيدة على أخيه
الأكبر المأمون، مع علمه أن متبع هواه. ولعل رغبة أمراء البيت لعباسي واجتماعهم على تولية الأمين كانت وراء نزول الرشيد على رأيهم، وتحقيق تلك الرغبة التي اجتمعوا عليها.
وكانت حجتهم في ذلك أن الأمين هاشمي الأبوين، وأن ذلك لم يجتمع لغيره من خلفاء بني العباس، وكان يؤجج تلك الرغبة كرههم لـ"آل برمك" الذين استأثروا بالرشيد، ونالوا لديه حظوة ومكانة كبيرة.
استدعى الرشيد الأمراء والقواد ورجال الحاشية، وطلب الفقهاء ليُشهدهم على قراره الخطير الذي عقد عليه العزم، وهو البيعة لابنه الثاني "محمد الأمين".
وفي يوم الخميس (6 من شعبان 175 هـ = 8 من ديسمبر 791 م) عقد الرشيد مجلس البيعة، وأخذت لمحمد البيعة، ولقبه أبوه بـ"الأمين"، وولاه في الحال على بلاد الشام والعراق، وجعل ولايته تحت إدارة مربيه "الفضل بن
يحيى البرمكي".
دور البرامكة في ولاية العهد للمأمون وبالرغم من عدم معارضة البرامكة في مسألة ولاية عهد الرشيد لابنه الأمين وسعيهم - في أول الأمر- إلى تزكية هذا الاختيار وتزيينه للرشيد ودفعهم له إلى إتمامه، فإنهم ما
لبثوا أن شعروا بأنهم أساءوا الاختيار، وخصوصًا عندما أصبح الأمين شابًّا يافعًا، وبعد ظهور نفوذ أمه "زبيدة"، التي أصبحت تنقم على البرامكة ما صاروا إليه من النفوذ والسلطان في بلاط الرشيد ، وتسعى إلى
استقطاب العنصر العربي في مواجهة تصاعد النفوذ الفارسي ممثلا في البرامكة ، وتفاقم الصراع الذي اتخذ صورة قومية داخل البلاط بين العرب والفرس.
عندئذ بدأ البرامكة يعيدون النظر في مسألة ولاية العهد ، فاستخدموا نفوذهم، واستغلوا قربهم من الرشيد ومنزلتهم عنده في إيجاد منافس للأمين وأمه زبيدة، ووجدوا بغيتهم في شخص "المأمون" الأخ الأكبر، خاصة أن
أمه فارسية.
واستطاع البرامكة أن يجعلوا الرشيد يعقد البيعة لولده "عبد الله المأمون"، على أن تكون ولاية العهد له من بعد أخيه الأمين، وذلك في سنة (182 هـ = 798م)، بعد مضي نحو ثماني سنوات من بيعته الأولى
للأمين.
وأخذ "الرشيد" على ولديه "الأمين" و"المأمون" المواثيق المؤكدة، وأشهد عليهما، ثم وضع تلك البيعة في حافظة من الفضة، وعلقها في جوف الكعبة ،
بعد ذلك بأربعة أعوام في سنة (186 هـ = 802م) عقد الرشيد ولاية العهد لابنه "القاسم" من بعد أخويه ، ولقبه بـ"المؤتمن".
نكبة البرامكة والطريق إلى العرش
نكبة البرامكة مصطلح يشير إلى ما وقع للبرامكة على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد من قتل وتشريد، ومصادرة أموال، وقد كانوا وزراء الدولة وأصحاب الأمر والسلطان.
و النكبة من أهم الأحداث السياسية المؤثرة في حكم هارون الرشيد، وفي التاريخ السياسي الإسلامي بشكل عام، إذ أنها كانت حلقة في سلسلة نكبات طالت وزراء الدولة العباسية منذ قتل أبي مسلم الخراساني بتدبير
الخليفة أبو جعفر المنصور، وقتل معظم المقربين من الخلفاء العباسيين، كآل سهل فيما بعد أيضاً، كان للنكبة أثر كبير، من حيث توصيفها للعلاقة بين العرب والفرس في السلطان.
وإزاء تعاظم نفوذ البرامكة، واحتدام الصراع بين الفريقين، بدأت الأمور تتخذ منحىً جديدًا، بعد أن نجحت الدسائس والوشايات في إيغار صدر الرشيد على البرامكة، وذلك بتصويره بمظهر العاجز أمام استبداد البرامكة
بالأمر دونه، والمبالغة في إظهار ما بلغه هؤلاء من الجرأة على الخليفة، وتحكُّمِهم في أمور الدولة؛ حتى قرر الرشيد التخلص من البرامكة ووضع حد لنفوذهم.
ولم يكن ذلك بالأمر الهين أو المهمة السهلة؛ فقد تغلغل البرامكة في كل أمور الدولة، وصار لهم كثير من الأنصار والأعوان، فاتبع الرشيد سياسة الكتمان، واستخدم عنصر المفاجأة؛ حتى يلحق بهم الضربة
القاضية.
وفي ليلة السبت (أول صفر 187 هـ = 29 من يناير 803م)، أمر رجاله بالقبض على البرامكة جميعًا، وأعلن ألا أمان لمن آواهم، وأخذ أموالهم وصادر دورهم وضياعهم. وفي ساعات قليلة انتهت أسطورة البرامكة وزالت
دولتهم، وتبدت سطوة تلك الأسرة التي انتهت إليها مقاليد الحكم وأمور الخلافة لفترة طويلة من الزمان، تلك النهاية المأساوية التي اصطُلح على تسميتها في التاريخ بـ"نكبة البرامكة".
وكان لتلك النكبة أكبر الأثر في إثارة شجون القومية الفارسية، فعمدت إلى تشويه صورة الرشيد ووصفه بأبشع الصفات، وتصويره في صورة الحاكم الماجن المستهتر الذي لا همّ له إلا شرب الخمر ومجالسة الجواري،
والإغراق في مجالس اللهو والمجون؛ حتى طغت تلك الصورة الظالمة على ما عُرف عنه من شدة تقواه وحرصه على الجهاد والحج عامًا بعد عام، وأنه كان يحج ماشيًا ويصلي في كل يوم مائة ركعة.
وفي أواخر سنة (192 هـ = 808م) خرج الرشيد لحرب "رافع بن الليث"، واستخلف على بغداد ابنه الأمين، وفي الطريق مرض الرشيد، وما لبث أن اشتد عليه المرض، وفاضت روحه في (3 من جمادى الآخرة 193م = 24 من مارس
809م)، فتولى الخلافة من بعده ابنه "محمد الأمين.
إن قصة زواج العباسة أخت هارون الرشيد من جعفر بن يحيى البرمكي، قصة شعوبية مدسوسة، لا أساس لها من الصحة، بالرغم من أنها ذكرت في بعض المصادر البعيدة زمنيا عن عهد الرشيد معتمدة على إشاعة كاذبة راجت بعد
مقتل البرامكة، والعجيب أن هذه المصادر التي ذكرتها أضافت عليها حبكة فنية قد تكون مقصودة أو غير مقصودة، وهي أن الرشيد وجعفر والعباسة يجلسون جميعا في مجلس مبتذل فيه طرب وشراب وتهتك. وألف الكتاب
المتأخرون حول هذا الزواج المزعوم بين العباسة والبرمكي الكثير من القصص بعضها لمستشرقين أجانب وبعضها لعرب مثل: (قصة العباسة) للكاتب المصري جورجي زيدان (ومسرحية العباسة) للشاعر المصري عزيز أباظة، وأشار
لها الأستاذ منير العجلاني في كتابه (عبقرية الإسلام) حيث يقول: (وتغلب جعفر في النهاية على أمر الرشيد، الذي كان يحبه حبا جما حتى زوجه أخته ،العباسة ـ وكان الرشيد يحب مجلسهما كثيرا ـ وذلك لينعم
باجتماعهما في مجلس واحد).فهذا المؤرخ القديم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) صاحب كتاب (الرسل والملوك) وهذا عبد الرحمن بن محمد بن خلدون (ت 808هـ) صاحب (المقدمة الشهيرة) التي اكتشف أهميتها
الأوروبيون قبل أن نكتشفها وصاحب تاريخ (العبر وديوان المبتدأ والخبر) ينفيان هذا الزواج نفيا قاطعا بالأدلة النقلية والعقلية المعروفة والمنقولة عن سيرة هذا الخليفة الهاشمي العربي المسلم ،هارون
الرشيد.ولا تنس أن الوجدان الشعبي يختزن الحقيقة والخيال والوهم والخرافة، يصطنع هذه الأمور بعد حدوث الأحداث الجسام فيختلط الواقع بالخيال والماء بالسراب.[2] .
أما الذين ركزوا على قصة العباسة مع جعفر البرمكي ومواقعتها ، فإنهم أرادوا أن يبعدوا الناس عن حقيقة البرامكة ، وأرادوا تشويه الخليفة الرشيد ، ولم يورد المؤرخون الثقات علاقة بين العباسة وجعفر من خلال
الروايات التاريخية المحققة ، على وجه الإطلاق ، ومنهم الطبري وابن خلدون وابن كثير في البداية والنهاية ، وغنما أرجعوا سبب نكبة البرامكة وما دفع الرشيد للتخلص منهم ، إلى الأسباب التالية :
1 ـ حادثة يحيى بن عبد الله الطالبي: الذي خرج إلى بلاد الديلم ودعا لنفسه هناك، وبايعه كثير من الناس، وقويت شوكته، وذلك سنة 176 هـ، فأرسل إليه الرشيد الفضل بن يحيى، واستطاع الفضل أن يستنزل يحيى بالسلام
على أمان له عند الرشيد، وذلك من غير أن تهراق نقطة دم، وعد ذلك من أفضل أعمال الفضل، وبعد فترة ظهر من يحيى ما أوجب عند الرشيد نقض الأمان، فأمر بحبسه عند جعفر بن يحيى، وفي ذات ليلة اجتمع يحيى مع جعفر،
وما زال به حتى أطلقه جعفر وزوده بالمال اللازم لخروجه من بغداد، فوصل الخبر للرشيد، وكان ذلك يعد خيانة عظمى عند العباسيين لشدة خوفهم من الطالبيين، فخاف الرشيد من تآمر آل برمك مع الطالبيين من أجل إقصاء
العباسيين، فأمر بقتل جعفر وحبس باقي الأسرة.
2 ـ الترف الشديد: كان البرامكة يعيشون في ترف شديد جدًا، حتى أنهم كانوا يبنون قصورهم ويضعون على الحوائط بلاط الذهب والفضة، وبنى جعفر بيتًا له كلفه عشرين مليون درهم، وكان الرشيد في سفر ذات يوم، فلم يمر
على قصر ولا إقليم ولا قرية إلا قيل له: هذا لجعفر، وعندما عاد الفضل من حربه في الديلم أطلق لمادحيه ثلاثة مليون درهم. وهذا السرف جعل الرشيد يتابعهم في الدوواوين والكتابات، فأكتشف وجود خلل كبير في
مصاريف الدولة.
3 ـ الفضل بن الربيع: وكان من موالي العباسيين، وكان شديد العداء للبرامكة، ويقال أنه هو الذي سعى بهم عند الرشيد, وأظهر عيوبهم، وغطى مح