الحقوق المالية للمرأة
أولاً ـ حق المرأة في التملك والتصرف في ملكها:
لم يقف القرآن الكريم بالمرأة عند حد تسويتها بالرجل في المسؤولية أمام الله عز وجل، وتسويتها بالرجل في حق حرية الرأي واحترامه، ومساواتها بالرجل في كافة الحقوق، بل سوى بينهما في حق التملك، ومباشرة عقود
التصرفات بجميع أنواعها، فالمرأة إذا بلغت وظهرت عليها علامات الرشد وحسن التصرف زالت عنها ولاية وليها أو الوصي عليها، سواء أكان أباً أم غيره، ويكون لها حق التصرف في شؤونها المالية والشخصية.
فالقرآن الكريم جعل للمرأة الحق في الملك ملكاً خاصاً بها، وجعلها صاحبة السلطان في إدارته والتصرف فيه، وحظر على الرجل أن يمد يده إلى شيء منه إلا بإذنها ورضاها، فأعطى الاسلام المرأة حق التملك وحق التصرف
في ملكها بما تشاء: من البيع، والشراء، والهبة، والصدقة، والوصية، والإجارة، والإنفاق، والوقف، والرهن، كما أن للمرأة حق التقاضى والدفاع عن نفسها، وعن ملكها، كما أن للمرأة حق إقامة الدعوى.
كما أن الاسلام لم يحرم المرأة حقها في البيع والشراء (دون خلوة ولا اختلاط) فالشريعة الاسلامية تحتفظ للمرأة بأهليتها الكاملة في إدارة أموالها، وإجراء مختلف العقود، كما جعل القرآن الكريم للمرأة حق
التخلص بما لها في حالة سوء معاشرة الزوج لها إذا رأت أن في ذلك سبيلاً لراحتها، وقد كان شأنها في ذلك شأن الرجال، يتخلصون بأموالهم من كل ما ينزل بهم متى رأوا أن بذل المال سبيل للخلاص منه، وهذا دليل على
حق الملكية التامة، وحق الحرية الكاملة في التصرفات.
ولننظر إلى قوله تعالى في سورة البقرة:
(فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون).
ثانياً ـ حق المرأة في مباشرة عقود المدنيات كافة:
جعل القرآن الكريم للمرأة الحق الكامل ـ مثل الرجل في الأهلية ـ للتملك والتصرف فيه، كما جعل لها الحق في مباشرة عقود المدنيات من بيع، وشراء، ورهن، وإجارة، ووقف، كما أنه يصح للمرأة أن تكون وصية على
الصغار وناقصي الأهلية، وأباح القرآن الكريم للمرأة أن توكل غيرها في كل ما تملكه بنفسها، أو تتوكل عن غيرها في كل ما يملكه، فلها أن تكون وكيلة لأية جماعة من الأفراد في إدارة أموالهم، وأباح القرآن الكريم
للمرأة أن تضمن غيرها، وأن يضمنها غيرها، على نحو ما أبيح للرجال من كل هذه التصرفات، لقوله تعالى:
(للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن).
وقد أجمع فقهاء الاسلام على أن النصوص الواردة في التصرفات المالية خاصة بالرجل والمرأة على السواء.
لقد أعطى الاسلام المرأة الحرية ـ كل الحرية ـ في التصرف في مالها وما تملك، متزوجة كانت أو غير متزوجة، ما دامت قد بلغت سن الرشد، وهي حرية لم يصل إليها أكثر التشريعات تقدماً، حتى في عهدنا الحاضر، حيث
يشترط القانون الفرنسي الذي صدر عام 1942، موافقة الزوج على تصرف الزوجة في مالها. فالاسلام منح المرأة الاستقلال الاقتصادي الكامل، كما منحه للرجل، فللمرأة الحق أن تبيع وتشتري، وتؤجر وتهب، وتستأجر بحرية
كاملة في إطار الصالح العام لأفراد المجتمع، ولها أن تتصرف بشخصها مباشرة لا وكالة، وتعامل المجتمع بلا وسيط، كما أنه ليس للزوج أن يأكل من مالها إلا عن طيب نفس، وذلك طبقاً لقوله تعالى:
(فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً).
كما أن الاسلام يمنع الرجل من الولاية على مال زوجته. ويقول المرحوم الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، في كتابه (الاسلام عقيدة وشريعة):
(وإذا كان القرآن الكريم في مقام الشهادة اعتبر امرأتين مقابل الرجل، وقد علل ذلك في الآية الكريمة:
(أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى).
بأنه إذا نسيت إحداهما ذكرتها الأخرى، فإنه ليس من شأن المرأة الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها، حيث تكون ذاكرتها فيها ضعيفة ـ فلا تكون كذلك في الأمور المنزلية التي هي من شغلها، فإنها فيها أقوى ذاكرة
من الرجل. ومن طبع البشر عامة أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويمارسونها ويكثر اشتغالهم بها).
ثالثاً ـ حق المرأة في الميراث:
كانت المرأة قبل الاسلام تحرم هي وأطفالها من حقهم في ميراث رب الأسرة، وعندما جاء الاسلام أصلح هذا الفساد، وجعل القرآن الكريم للمرأة حقاً في الميراث، وجعل لها نصيباً باعتبارها زوجة وبنتاً وأماً
وأختاً.
أ ـ باعتبارها زوجة:
تستحق الميراث ولو بمجرد عقد الزواج عقداً صحيحاً، فالزوجة المدخول بها لها الحق فيا لميراث من زوجها المتوفى، وقرر القرآن نصيبها في الميراث في قوله تعالى:
(ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين).
والولد المقصود به هنا الذكر والأنثى.
فالزوجة تستحق الربع من تركة زوجها المتوفى ما لم يكن للزوج فرع وارث ـ ذكراً أو أنثى ـ والفرع الوارث هو الابن أو الابنة، سواء كان منها أو من غيرها. فإن كانت حاملاً منه تنتظر حتى تضع حملها فينقص ميراثها
من الربع إلى الثمن بنص الآية الكريمة.
وتستحق الزوجة الثمن في تركة زوجها عند وجود الفرع الوارث للزوج، سواء كان منها أو من غيرها.
كذلك الزوجة غير المدخول بها لها الحق في الميراث من زوجها المتوفى، فقد روى الإمام أحمد أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها (فقال: أقول فيها برأيي، فإن يك صواباً فمن
الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه: لها الصداق كاملاً، وعليها العدة، ولها الميراث). فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: سمعت رسول الله (ص) قضى به في (بروغ بنت واشق) ففرح عبدالله
بذلك فرحاً شديداً.
إذا طلقت الزوجة:
إذا كانت لا تزال في العدة:
المرأة المطلقة إذا مات زوجها وهي ما زالت في مدة العدة فإنها ترثه إذا كان الطلاق رجعياً، لأنها في حكم الزوجة، وتنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة. والطلاق الرجعي هو أن تكون المرأة طلقت بعد الدخول بها
بغير عوض (الخلع)، وكان الطلاق لأول مرة أو ثاني مرة، فإذا مات زوجها فإنها ترثه لقوله تعالى:
(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن
درجة والله عزيز حكيم).
وقوله تعالى:
(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله
يحدث بعد ذلك أمراً).
فقد أمر الله سبحانه وتعالى الزوجة المطلقة أن تبقى في بيت زوجها في فترة العدة، وقوله تعالى: (لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) يعني به الرجعة.
انقضاء مدة العدة:
أما إذا طلقت المرأة طلاقاً سراً أو جهراً وعلمت بالطلاق أو لم تعلم، وانقضت مدة العدة قبل وفاة زوجها، فلا حق لها في الإرث منه، كما أنه لا حق له في الإرث منها إن ماتت قبله. أما إذا كانت المطلقة التي مات
زوجها مطلقة طلاقاً بائناً مثل أن يكون الطلقة الثالثة، أو أعطت الزوج عوضاً ليطلقها (الخلع) أو كانت في عدة فسخ لا عدة طلاق، فإنها لا ترث ولا تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة.
وهناك حالة ترث فيها المطلقة طلاقاً بائناً، مثل إذا طلقها الزوج في مرض متهماً بقصد حرمانها، فإنها في هذه الحالة ترث منه ولو انتهت العدة، ما لم تتزوج، فإن تزوجت فلا إرث لها. والمرأة التي انقضت عدتها لا
يطلق عليها اسم الزوجة.
ومن ناحية أخرى فإنه لا يجوز أن ترث الزوجة الكتابية زوجها المسلم، فيرى الإمام الشافعي أن الكتابية التي يجوز نكاحها كالمسلمة فيما لها وما عليها إلا أنهم لا يتوارثان.
كما أنه لا يجوز أن يرث المسلم غير المسلم ولو كان أباه.
قال صاحب الرحبية:
ويمنع الشخص من الميراث واحـدة من عـلل ثلاث
رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين
فموانع الميراث ثلاث:
1 ـ الرق: فالرقيق لا يرث ولا يورث.
2 ـ والقتل: لقوله (ص): (ليس للقاتل من الميراث شيء).
3 ـ واختلاف الدين: فالمسلم لا يرث غير المسلم، وبالعكس، سواء كان الارتباط بينهما بقرابة أو بزواج أو بولاء، وسواء كان الاسلام قبل قسمة التركة أو بعدها.
ومن الأدلة على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) وهذا ما عليه الخلفاء والجمهور.
ب ـ باعتبارها بنتاً:
قرر القرآن الكريم نصيبها في الميراث باعتبارها بنتاً في قوله تعالى:
(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف).
فللبنت الواحدة النصف فرضاً إذا لم يوجد معها معصبها، وهو أخوها فأكثر. وللاثنتين فأكثر الثلثان عند فقد المعصب.
ج ـ باعتبارها أماً:
قرر القرآن الكريم نصيبها في الميراث باعتبارها أماً في قوله تعالى:
(ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين).
فالأم تأخذ سدس التركة فرضاً عند وجود الفرع الوارث للميت.
وتأخذ ثلث التركة فرضاً عند ع