أنا مغربي وأقول أن أذكى شعب في العالم هو الشعب الذي يحل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية...المغاربة ككل العرب مازالوا متخلفين ومازال تصنيفهم
متدني في سلم التنمية البشرية حيث ينتشر الفقر والجهل والأمية والبطالة وهذه ليست مؤشرات وعلامات بلد وشعب ذكي .. أما تفسيري لهذه المعلومة أو الدعاية التي تناسلت عبر الانترنت ومع الأسف يقول كاتبها انه
كان يشاهد حلقة لمسابقة وزنك ذهب ومقدمه أيمن زيدان ,وكان أن جاء السؤال : ما هو أذكى شعب في العالم : الياباني ام المغربي وكان الجواب الصحيح هو المغربي...ومع الأسف لم يرنا كاتب هذه الدعاية المقطع الذي
تضمن هذا السؤال لكي نقتنع بزعمه..لكن تفسيري العقلاني لهذا للدعاية إن صحت فهو كالتالي: ربما كان يُقصد بذكاء الشعب المغربي هو ذاك الذكاء التاريخي والرصيد الحضاري والعلمي والثقافي والفلسفي والفني الغزير
الذي أنتجه المغاربة عربا وبربرا في عصر الأمجاد الاسلامية في الأندلس والمغرب الأقصى والذي استمر لسبعة قرون..وهذا الرصيد استفادت منه المجتمعات الغربية بشكل مباشر في بناء نهضتها الحضارية.. فتاريخيا كانت
دولة الاندلس متحدة مع المغرب الأقصى في فدرالية اسلامية وكانت الأندلس الاسلامية أنذاك أقوى دولة في العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وعلميا وحضاريا أي بمعنى آخر كانت دولة الأندلس الاسلامية أنذاك
بمثابة الولايات المتحدة في عصرنا الحالي حيث كانت تتقاطر على الأندلس الوفود وسفراء الدول الأجنبية لكسب ودّها وطلب عونها وكان التجار والعلماء والفنانون والمهندسون والأطباء يتوافدون على الأندلس من
كل أصقاع الأرض لطلب المال والمجد والنجاح وكان رؤساء وملوك الدول الأوربية الغربية المتخلفة انذاك يتوافدون على الأندلس لطلب العلاج في مستشفياتها كما يفعل حكامنا العرب حاليا عندما نجد مبارك وملك
السعودية وغيرهم يذهبون للعلاج في أمريكا...وكان الطلاب وعلماء أوروبا الأوائل يحلمون بالدراسة في جامعات الأندلس التي كانت انذاك أرقى الجامعات في العالم في الوقت الذي كانت فيه جامعات أوربا لم تولد بعد
بل يقال إن أول المؤسسين لجامعة أوكسفورد البريطانية كان طالب علم خريج جامعة أندلسية حيث جلب معه الكثير من الكتب والمجلدات العلمية وترجمها وساهم بها في تأسيس الجامعة..في ذاك الوقت المجيد للمسلمين كان
المغرب الأقصى (المغرب حاليا) بمثابة الأخ الأصغر والسند والعمق الاستراتيجي للأندلس أي كان بمثابة كندا بالنسبة للولايات المتحدة إن جاز التعبير ...هذا الاتحاد والجوار بين الأندلس والمغرب الأقصى
أنتج اندماجا ثقافيا وفكريا واجتماعيا قويا بين المغاربة وأشقائهم الأندلسيين..وبلغت القوة والتقدم بالمسلمين الغربيين (في الأندلس والمغرب الأقصى) إلى الحد الذي صارت فيه دولة الأندلس بقيادة الأمويين
مركزا للخلافة الاسلامية بديلا عن بغداد...وطبعا كان في الوقت لا لوجود للحدود للتسميات والجنسيات بين الضفتين حيث كان العرب والبربر يعيشون على الضفتين ويهاجرون إلى كلا الضفتين مكونيين مجتمعا اسلاميا
مغربيا (بمعناه الجغرافي بحكم وجود الأندلسيين والمغاربة كلاهم في أقصى المغرب) مجتمعا واحدا أخذ ينسجم وينصهر فيما بينه مع توالي القرون..بدأ الأندلسيون يتحولون تدريجيا إلى مغاربة مراكشين (من الناحية
الثقافية والسياسية) بعد سقوط الأمويين وتمزق دولة الأندلسيين القوية التي كانت تكسبهم نوعا من الخصوصية الثقافية فانقسمت بلادهم القوية إلى دويلات صغيرة فاسدة وضعيفة ومتآمرة على بعضها البعض وصارت تسقط في
أيدي الصليبيين واحدة تلو الأخرى...أعقبها ظهور قوة سياسية ودينية جديدة وفتية في المغرب الأقصى وهي دولة المرابطين حيث وصلتها استغاثة من احد ملوك الطوائف لطلب العون ضد الصليبيين وكان ان أرسل قائد الدولة
المرابطية يوسف بن تاشفين جيشا قويا إلى الجزيرة الأندلسية ودحر قوات الصليبيين وأوقف هجماتهم لأكثر من قرنين ثم تحول لمحاربة ملوك الطوائف الفاسدين وجعل دويلاتهم تابعة للامبراطورية المرابطية..بعدها انهار
حكم المرابطين على يد الموحدين الذي أحكموا سيطرتهم على الأندلس لمدة قرن وطبعوا عمارتها بمعمارهم الهندسي وبهذا بدأ الاندلسيون يفقدون استقلاليتهم السياسية وتحولوا إلى شبه مغاربة شماليين ينضوون تحت حكم
مغاربة الجنوب المراكشيين المرابطين ثم الموحدين الذين ما لبثوا أن انهزموا امام قوات القشتاليين وفقدوا سيطرتهم وقوتهم سريعا وانهارت دولتهم وسقطت الكثير من المدن الأندلسية في أيدي الصليبيين وهجرها
سكانها المسلمون و بدأ كل المسلمين في الجزيرة الأندلسية ينزحون نحو مملكة غرناطة القوية آخر معاقل الاسلام في أروبا الغربية واستمر وجود الأندلسيين في غرناطة لحوالي قرنين بثقافة يندمج فيها الفكر الأندلسي
مع الفكر المراكشي الذي صاغه المرابطون والموحدون حيث نجد مثلا ان قصر الحمراء في غرناطة بني بهندسة متمازجة بين الطراز الأموي الأول والطراز الموحدي المراكشي... ثم أتى تحول الأندلسيين شبه الكلي إلى
مغاربة عندما غزت قوات الصليبيين مملكة غرناطة وقامت بعمليات تطهير وتهجير وإعدام واسعة للغرناطيين الأندلسيين وقد نزح الآلاف منهم إلى مدن المغرب واستقروا فيها وصاروا حاليا مغاربة بينما اختار بعضهم
الاستقرار في شمال افريقيا ...ما أريد أن أصل إليه من كل هذا الكلام هو أن الذكاء المغربي الذي تحدث عنه البرنامج (إن كان صحيحا) ما هو إلا ذكاء تاريخي وانجاز حضاري كبير ومستمر وطويل صنعه المسلمون العرب
والبربر المغاربة سواء المراكشيون منهم او الأندلسيون (الذين تحولوا مع توالي القرون إلى مغاربة مراكشيين بعد سقوط دولتهم الأندلسية) وهذا الارث والتأثير الحضاري يفوق طبعا ما أنتجه واحدثه اليابانيون
تاريخيا...فحضارة أوروبا ونهضتها التي ورثتها من دولة المسلمين في المغرب (الأندلس والمغرب الأقصى) خير دليل على ذكاء شعب بدأ أندلسيا ثم تطور مع القرون وانتهى مغربيا.