الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على سيدنا محمد رحمة الله للعالمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فقد كثر ظهور عدد من المتحدثين على قنوات فضائية يفتون بقتل الناس بعضهم بعضاً ، وباعتبار أنَّ قتل الإنسان جريمة كبرى لا يرضاها الله تعالى فإنني سأذكر الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية
الشريفة الدالة على تحريم قتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ، وأطلب من كافة الناس أتباع الشرائع السماوية وغيرها ألا يتقاتلوا ولا يُعينوا قاتلاً ولا يشتركوا في قتل أحد من البشر مهما كان دينه أو
طائفته ، ولنتعاون جميعاً على البر والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان امتثالاً لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )
الترهيب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
الآيات القرآنية الكريمة:
قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)
وقال سبحانه: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )
وقال عز وجل: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)
وقال عز وجل: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ
مَنْصُورًا)
وقال سبحانه: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)
وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
وقال سبحانه: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ)
وقال عز وجل: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ
أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
وقال عز وجل: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ)
الأحاديث النبوية الشريفة:
1- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ) رواه البخاري
2- عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق) رواه ابن ماجه بإسناد حسن ، ورواه البيهقي والأصبهاني وزاد فيه: (ولو أن أهل
سمواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار).
وفي رواية للبيهقي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لزوال الدنيا جميعاً أهون على الله من دم سُفك بغير حق)
3- وعن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) رواه النسائي والترمذي مرفوعاً وموقوفاً ورجح الموقوف.
4- وروى النسائي والبيهقي من حديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ).
5- وعن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبكِ وما أطيب ريحك ، ما أعظمك وما أعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم
من حرمتك ماله ودمه) رواه ابن ماجه
6- عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ) الترمذي وقال حسن غريب.
7- روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله ) رواه ابن ماجه والأصبهاني ورواه البيهقي من حديث ابن
عمر.
8- عن معاوية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمناً متعمدا) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد ، ورواه أبو داود
وابن حبان من حديث أبي الدرداء.
9- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً) رواه أبو داود ، قال يحيى الغساني: الذين يقاتلون في الفتنة
فيَقتُلُ أحدُهم فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله.
10- عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج عنق من النار يتكلم يَقُولُ وُكِّلْتُ الْيَوْمَ بِثَلَاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ وَبِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِمَنْ
قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَيَنْطَوِي عَلَيْهِمْ فَيَقْذِفُهُمْ فِي غَمَرَاتِ جَهَنَّمَ) رواه أحمد والبزار والطبراني.
11- عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل معاهَداً لم يَرَح رائحة الجنة) رواه البخاري والنسائي بلفظ ( مَنْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ
يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا) (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدَةً بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَنْ يَشُمَّ
رِيحَهَا).
بيان حكم من أُكره على القتل:
قال الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه ((الفقه الإسلامي وأدلته)):
الإكراه على القتل: إذا أَكره رجلٌ غيره على قَتل آخر بأنْ هدَّده بما يُلحق ضرراً بنفسه أو ماله، فقال أبو حنيفة ومحمد: يجب القصاص على المكرِه، دون المستكرَه المباشِر، لقوله صلّى الله عليه وسلم:
(عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ولأن المستكرَه آلةٌ للمكرِه، والقاتل معنى هو المكرِه، والموجود من المستكرَه صورة القتل فقط.
وقال أبو يوسف: لا قصاص على أحد، سواء المكرِه والمستكرَه، للشبهة؛ لأن المكرَه ليس بمباشر للقتل، وإنما هو مسبب له، وإنما القاتل هو المستكرِه.
وقال الجمهور: المالكية والشافعية في الأظهر عندهم، والحنابلة :
يجب القصاص على المكرِه والمستكرَه جميعاً؛ لأن المكرِه متسبب في القتل بما يفضي إليه غالباً، والمستكرَه مباشر القتل عمداً عدواناً، ومؤثر في فعله استبقاء نفسه.
الأمر بالقتل:
إذا كان المأمور مميزاً، أو كبيراً بالغاً عاقلاً، وللآمر سلطان عليه،كسلطة الأب على ولده الصغير، وسلطة الحاكم على من هو تحت إمرته، بحيث يخاف المأمور أن يقتله الآمر لو لم يطع أمره، فيقتص عند مالك من
الآمر والمأمور معاً؛ لأن الأمر في هذه الحالة يعتبر إكراهاً.
وقال الشافعية والحنابلة: إن علم المأمور أن القتل بغير حق، فيقتص من المأمور المباشر؛ لأنه غير معذور في فعله، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ، ويعزر الآمر بالقتل ظلماً
لارتكابه معصية. وإن لم يعلم المأمور أن القتل بغير حق، فالقصاص على الآمر؛ لأن المأمور معذور لوجوب طاعة الإمام في غير معصية، والظاهر من حاله أنه لا يأمر إلا بالحق.
وعند أبي حنيفة: لا قصاص على الآمر إلا إذا كان مُكرِهاً، كما لا قصاص على المأمور إذا كان الأمر صادراً ممن يملكه؛ لأن الأمر أو الإذن شبهة تدرأ القصاص، فإن كان الأمر صادراً ممن لا حق له فيه، فعلى
المأمور القصاص.
أقول: الأفضل وهو الراجح عند الفقهاء أن يصبر المكرَه والمأمور حتى يُقتَل ولا يَقتُل.
وله أن يدفع عن نفسه القتل إذا وجد لذلك سبيلاً ، وإذا قُتل فهو شهيد.
بيان حكم ما إذا تترَّس المقاتلون بالنساء والأطفال:
ما أفتى به بعض المفتين من قياس الخارجين على الحكام على الكافرين في مسألة تترسهم بنساء المسلمين وأطفالهم وجواز قتلهم وصولاً إلى قتل المقاتلين الخارجين ، غير صحيح.
وإنَّ علماء ومشايخ الطرق الصوفية وأتباعهم لا يوافقون أحداً من المفتين على فتاوى القتل ولا يفتون بذلك لأحدٍ سواء الحكام وجنودهم أو الخارجون عليه وهم يبرؤون إلى الله تعالى من كل دم يسفك بغير حقٍ ،
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.<