لغوياً، وفي العربية، نَفْهَم العبارة "جَذَبَ إليه الشيء" في معنى "شدَّ (أو سَحَبَ) إليه (أو نحوه) الشيء"، فثمَّة "شادٌّ" و"مشدود".
إذا شَددتَّ إليكَ كرسياً، فأنتَ "الشاد"، والكرسي هو "المشدود". وبوسيلةٍ هي "الحَبْل"، مثلاً، تَشُدُّ إليكَ الكرسي. وهذا "الشد"، وعلى ما ترى، يشتمل على "الحركة"، فأنتَ بشدِّكَ الكرسي (بوسيلة الحَبْل)
إليكَ تُحرِّك هذا الكرسي (المشدود) من مكانه، أي تنقله من موضع إلى موضع.
وفي الانجليزية، يُميِّزون، عِلْمياً، "Gravity" من "Gravitation"، فالأولى تعني "الجاذبية الأرضية"؛ أمَّا الثانية فتعني "الجاذبية الكونية"، أو الجاذبية على وجه العموم. إنَّه تمييز لـ "الجزء" من
"الكل".
في مثال "شَدِّكَ الكرسي"، لا تَظْهَر "الجاذبية" في معناها الفيزيائي الحقيقي؛ لأنَّ "الجاذبية" هي فِعْل "شَدٍّ متبادَل".
اصْرِفْ النظر الآن عن "الحَبل"، وعن "فِعْل الشدِّ" الذي تمارِسه"، وعن "انتقال هذا المشدود، وهو الكرسي، من موضع إلى موضع"، وافْهَم الأمر على النحو الآتي:
أنتَ الثابت في مكانكَ، وهذا الكرسي الثابت في مكانه هو أيضاً، والذي يَبْعُد عنكَ، مثلاً، ثلاثة أمتار، تتبادلان، في الوقت نفسه، "الشدَّ"، أو "الجَذْب"، فكلاكما "شادٌّ" و"مشدود" في الوقت نفسه. إنَّ
"الجاذبية" هي "التجاذُب"، أي "الجَذْب (أو الشد) المتبادَل المتزامِن"، و"المتكافئ"، كما سنرى لاحقاً، فهذا الشيء وذاك يتبادلان، في الوقت نفسه، الجَذْب والشد.
منذ القِدَم والبشر يشاهدون ظاهرة "سقوط الأجسام"، فأنتَ الواقف على سطح الأرض تَقْذِف حجراً إلى أعلى؛ ولكنَّه مهما علا وارتفع يسقط إلى سطح الأرض، وكأنَّ هناك "قوَّة غير مرئية"، تشبه "حَبْلاً غير مرئي"،
تشدُّه إلى سطح الأرض.
ولو حرصتَ على رؤية مزيدٍ من تفاصيل هذه الظاهرة لرأيْتَ الحجر "يَصْعَد"، و"سرعة صعوده تتضاءل"؛ وفي نهاية مساره الصاعد، "يتوقَّف" توقُّفاً لَحْظياً، ثمَّ يشرع يسقط نحو سطح الأرض سقوطاً متسارعاً
(تسارُعاً ثابتاً).
إنَّكَ لم ترَ قط، ولن ترى أبداً، حجراً ارتفع، ثمَّ ظلَّ معلَّقاً في الهواء، فسقوطه إلى سطح الأرض فَهِمَهُ القدماء على أنَّه "الحتمية" بعينها.
وكان "التفسير الافتراضي (القديم)" هو أنَّ ثمَّة "قوَّة خفية (غير مرئية)" تَشُدُّ الحجر دائماً إلى سطح الأرض، فإذا أنتَ أمسكتَ به، وقذفته في الهواء، فإنَّكَ تزوِّده "قوَّة مضادة"، تسمح له (في أثناء
صعوده وارتفاعه) بالتغلُّب على تلك "القوَّة الخفية"؛ ولكن من غير أن تُبْطِل تأثيرها إبطالاً تاماً مُطْلَقَاً. هذا الحجر، "في أثناء" ارتفاعه، و"بسبب" ارتفاعه، يَفْقِد، تدريجاً، تلك "القوَّة" التي
أكْسَبْتُهُ إيَّاها إذ قذفته في الهواء، فتتضاءل سرعة صعوده، حتى إذا نَفَدَت تلك "القوَّة" المُكْتَسَبَة" اشتدَّ وعَظُم تأثير "قوَّة الجاذبية الخفية"، فشرع الحجر يسقط سقوطاً متسارِعاً تسارُعاً
منتظَماً، وكأنَّه كلَّما اقترب، في سقوطه، من سطح الأرض أكْسَبتهُ "قوَّة الجاذبية" مزيداً من السرعة.