تفسير قوله تعالى: (إن الإنسان لربه لكنود. وإنه على ذلك لشهيد)
أقسم الله عز وجل أقسم بالخيل ووصفها بأنها عاديات، وأنها موريات، وأنها مغيرات، والمقسم عليه قول الله عز وجل: إن الإنسان لربه لكنود [العاديات:6]. وكلمة (كنود) الكاف والنون والدال من كند تحمل معنى
الجحود، وقبيلة كندة من قبائل العرب المعروفة، ومن ينسب إليها يقال له: الكندي، قيل سميت كندة بهذا الاسم؛ لأنهم جحدوا أباهم وأنكروه. فالإنسان كنود، يعني: جحود كفور، وقيل: هو الذي يذكر المصائب وينسى
النعم، وهذا حال كثير من الناس، إذا سألته عن حاله قال لك: والله أنا عيني فيها كذا وكذا وكذا، هذا حالنا جميعاً، وينسى أن الله سلم له الأخرى، وسلم الأذنين، وسلم اليدين، وسلم الرجلين، وأنه لا شيء فيه،
فقط صار همه في عينه. وقيل: الكنود هو الذي لا يشكر الكثير، وينسى اليسير، يعني: لو أعطاه الله يسيراً نسيه، ولو أعطاه كثيراً ما شكره. وقيل: الكنود هو الذي يأكل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده. وقيل: الكنود
هو العاصي الذي يستعمل نعم الله في معصيته سبحانه. وقيل: الكنود هو البخيل سيئ الملكة، يعني: لو أن الله ملكه أناساً؛ مثلاً: تحته زوجة تراه يسيء معاملتها، تحته أولاد يسيء معاملتهم، تحته عمال أو خدم فهو
سيئ الخلق معهم. وقيل: الكنود هو الحسود الحقود والعياذ بالله. وقيل: الكنود هو الذي إذا مسه الخير كان منوعاً، وإذا مسه الشر كان جزوعاً. قال القرطبي رحمه الله: وهذه الأقوال كلها ترجع إلى معنى الجحود
والكفران. هذه صفة الإنسان إلا من رحم الله، إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6] يجحد نعمه جل جلاله، ونعمه لا تحصى، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ
الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]. قال تعالى: وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ [العاديات:7]. أي: يشهد على ذلك بحاله، كما قال الله عز وجل: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ
اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة:17]. قال سيد قطب رحمه الله في الظلال: وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ يوم ينطق بالحق، يوم لا يستطيع أن يكذب، الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى
أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
[النور:24] هذا حالهم.