جاءت رسالة الرسول في صحيح البخاري، وهناك كثير من الناس من الممكن أن تستغرب كلام هذه الرسالة، فنحن نعلم أن هذه الرسالة هي من رئيس دولة صغيرة جديدة وهي دولة
المدينة المنورة، وجيشها على أكبر تقدير ثلاثة آلاف جندي، وعمرها لا يتجاوز الثلاث سنوات وأسلحتها بسيطة، وعَلاقاتها في العالم محدودة جدًّا، ومع ذلك يُرسِل زعيمها رسالة إلى هرقل قيصر الروم، الزعيم الأعظم
للدولة الأولى في العالم الإمبراطورية الرومانية التي تسيطر على نصف أوربا الشرقي، إضافةً إلى تركيا والشام بكامله، ومصر والشمال الإفريقي، وجيوشها تقدر بالملايين بلا مبالغة، والأسلحة متطورة جدًّا،
وتاريخها في الأرض أكثر من ألف سنة، لا بد أن ندرك كل هذا ونحن نقرأ كتاب الرسول إلى قيصر الروم: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ
الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَسْلِمْ تَسْلَمْ".
هكذا في منتهى الوضوح: أسلم تسلم.
"يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ[1]"[2].
ثم كتب آية من آيات رب العالمين I: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ
بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].