قَوْلُهُمْ: لله دَرُّكَ
قال الأصمعي وغيره: أصل ذلك أنه كان إذا حمد فعل الرجل وما يجىء منه، قيل: لله درك، أي: ما يجىء منك بمنزلة در الناقة والشاة، ثم كثر كلامهم؛ حتى جعلوه لكل ما يتعجب منه.
وأنشد ابن الأحمر:
بان الشباب وأفنى ضعفه العمر ** لله دري فأي العيش أنتظـر
وقال الفراء: وقد تتكلم العرب بها فيقال: در درك عند الشىء الممدوح، وأنشد:
در در الشباب والشعر الأسود *** والضامرات تحت الرجال
قَوْلُهُمْ: مَرْحَبًا وَأَهْلاً
قال الفراء: معناه رحب الله بك وأهلك على الدعاء له، فأخرجه مخرج المصدر فنصبه.
ومعنى رحب: وسع، وقال الأصمعي: أتيت رحبًا: أي: سعة وأهلاً كأهلك فاستأنس، ويقال: الرحب، ومن ذلك الرحبة سميت بذلك؛ لسعتها. وقال طفيل وبالسهب ميمون الخليقة قولـه لملتمس المعروف: أهل ومرحب، وذكر ابن
الكلبي وغيره أن أول من قال مرحبًا وأهلاً سيف بن ذي يزن الحميري لعبدالمطلب بن هاشم، لما وفد إليه مع قريش ؛ ليهنئوه برجوع الملك إليه.
قَوْلُهُمْ: لبَّيْكَ وسَعْدَيْك
قال الفراء: معنى لبيك: إجابة لك، أي: جئتك ملبيا بطاعة وحب، قال: ومنه التلبية بالحج، إنما هو إجابة لأمرك بالحج، وثنى: يريد إجابة بعد إجابة، ونصبه على المصدر، وقال الأحمر: معناه الباب بك أي: إقامة
ولزوم لك، وهو مأخوذ من قولك: لب بالمكان، وألب: إذا أقام به.
وقد حكى أبو عبيد عن الخليل أنه قال: أصله من البيت بالمكان، فإذا دعا الرجل صاحبه قال: لبيك، فكأنه قال: أنا مقيم عندك، ثم أكد ذلك بلبيك، أي: إقامة بعد إقامة
وسعديك: معناه أسعدك إسعادًا بعد إسعادٍ. قال الفراء ولم نسمع لشىءٍ من هذا بواحدٍ، وهو في الكلام بمعنى قولهم: حنانيك أي: حنانًا بعد حنانٍ ،والحنان: الرحمة.
وقولهم: فلان يتحنن على فلان، أي: يرحمه، وهو في تفسير قول الله جل وعلا: {وَحَنَانًا مِن لَدُنَّا} [مريم13] أي: رحمة.
قَوْلُهُمْ: حَيَّاكَ الله وَبَيَّاكَ
من عبارات التحية والسلام عند عرب الجاهلية والاسلام، فأما حياك الله فإنه مشتق من التحية، والتحية تنصرف على ثلاثة معان؛
فالتحية: السلام ومنه قول الكميت:
ألا حييت عنـا يا مدينا *** وهل بأس بقول مسلمينا
فيكون معنى (حَيَّاكَ الله): سلم الله عليك..
والتحية أيضًا: الملك، ومنه قول عمرو بن معدي كرب:
أسير به إلى النعمان حتى *** أنيخ على تحيتـه بجندي
فيكون المعنى: ملكك الله.
والتحية: البقاء، ومنه قول زهير بن جناب الكلبي:
ولكن ما نال الفتى *** قد نلته إلا التحية
أي: إلا البقاء فيكون المعنى: أبقاك الله.
فأما (بَيَّاكَ) فإنه في ما زعم الأصمعي: أضحكك.
وقال الأحمر: أراد بوأك منزلاً، كما قالوا: جاء بالعشايا والغدايا للأزواج.
وقال ابن الأعرابي: بَيَّاكَ: قصدك بالتحية، وأنشد:
لما تبينا أخا تميمٍ *** أعطى عطـاء اللحز اللئيم
وقال أبو مال: قربك، وأنشد:
بيا لهم إذا نزلوا الطعاما *** الكبد والملحاء والسناما
أي: قرب لهم.
قَوْلُهُمْ: لا جرم
قال ابن سيده: زعم الخليل أن جرم إنما تكون جوابًا لما قبلها من الكلام يقول الرجل: كان كذا وكذا وفعلوا كذا فتقول: لا جرم أنهم سيندمون, أو أنه سيكون كذا وكذا.
قال ابن الأثير: لا جرم كلمة ترد بمعنى تحقيق الشيء وقد اختلف فى تقديرها فقيل: أصلها التبرئة بمعنى لابد وقد اسٌتعملت فى معنى حقًا, وقيل: جرم بمعنى كسب وقيل: بمعنى وجب وحق، ولا رد لما قبلها من الكلام ثم
يبتدأ بها كقوله تعالى: {لا جرم أن لهم النار} أى ليس الأمر كما قالوا, ثم ابتدأ وقال: وجب لهم النار.
قَوْلُهُمْ: لَيْتَ شِعرِي
هذا تركيب عربى عريق, كانت العرب تستعمله – منذ العصر الجاهلى – عندما تتمنى العلم بشيء تود أن تعرفه. جاء فى الحديث: " ليت شعرى ما صنع فلان"(2), أى ليتنى شعرت أو ليت علمى حاضر أو محيط بما صنع, فحذف
الخبر, وهو كثير فى كلامهم.
قَوْلُهُمْ: سُقِطَ فِي يَدِهِ
من مسكوكات إظهار الندم فى العربية قولهم " سقط فى يده " قال تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [149الأعراف].
وفى الحديث: «فلما رأوا النبى صلى الله عليه وسلم قَدْ دَعَا عَلَيهِ أُسقِطَ فِي أيدِيهِم».(3) وهذه المسكوكة تقال لكل من ندم وعجز عن شيء ونحو ذلك. وقد سقط فى يده, وأسقط لغتان. قال ابن سيده: سُقط فى يد
الرجل: زل وأخطأ, والسقطة: الخطأ والعثرة والزلة يتبعها ندم. ولم تعرف العرب هذا التعبير قبل الإسلام, ولم تجربه ألسنتهم. ونظم لم يسمع قبل القرآن.
قَوْلُهُمْ: هَلُمَّ جَرَّا
أي: تعالوا على هينتكم كما يسهل عليكم من غير شدة وصعوبة، وأصل ذلك من الجر في السوت (وهو أن تترك الإبل والغنم ترعى في مسيرها). وقال الراجز:
لطالما جررتكن جراً *** حتى نوى الأعجف واستمرا
فاليوم لا آلو الوكاب شراً
قَوْلُهُمْ: حتف أنفه
يقال مات فلان حتف أنفه, ويقال أيضًا مات حتف فيه وهو قليل لأن نفسه تخرج بتنفسه منه, كما يتنفس من أنفه ويقال أيضًا حتف أنفيه, ومنه قول الشاعر: إنما المرءُ رهن ميت سَويًَّ حتف أنفيه أو لفلق
طحون.
ويحتمل أن يكون المراد منخريه ويحتمل أن يكون المراد أنفه وفمه فغلب الأنف للتجاوز ومنه الحديث (ومن مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله) أى فى سبيل الله.
قال أبو عبيد: هو أن يموت على فراشه من غير قتل ولا ضرب ولا غرق ولا حرق ولا سبع ولا غيره وفى رواية (فهو شهيد) قال عبد الله بن عتيك راوى الحديث: والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قط قبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعنى (حتف أنفه) وفى حديث عبيد بن عمير أنه قال فى السمك (ما مات حتف أنفه فلا تأكله) يعنى السمك الطافى.
قال القطرى:
فإن أمت حتف أنفي لا أمت كمدًا على الطعان وقصر العاجز الكمد
قال أبو أحمد الحسن بن عبد الله العكبرى: وإنما خص الأنف لأنه أراد أن روحه تخرج من أنفه بتتابع نفسه لأن الميت على فراشه من غير قتل يتنفس حتى ينقض رمقه فخص الأنف بذلك لأن من جهته ينقض رمقه أو لأنهم
كانوا يتخيلون أن المريض تخرج روحه من أنفه وروح الجريح من جراحته قاله ابن الأثير.
قَوْلُهُمْ: لله دَرُّكَ
قال الأصمعي وغيره: أصل ذلك أنه كان إذا حمد فعل الرجل وما يجىء منه، قيل: لله درك، أي: ما يجىء منك بمنزلة در الناقة والشاة، ثم كثر كلامهم؛ حتى جعلوه لكل ما يتعجب منه.
وأنشد ابن الأحمر:
بان الشباب وأفنى ضعفه العمر ** لله دري فأي العيش أنتظـر
وقال الفراء: وقد تتكلم العرب بها فيقال: در درك عند الشىء الممدوح، وأنشد:
در در الشباب والشعر الأسود *** والضامرات تحت الرجال
قَوْلُهُمْ: جَاءَ بِالقََضِّ وَالقََضِِيْضِ
استعمل العرب هذه المسكوكة اللغوية للدلالة على حدوث الفعل بشكل جماعى وشامل. وفى الحديث الشريف: " يؤتى بالدنيا, بقضها وقضيضها " أى بكل ما فيها. والقض: الحصى الصغار, والقضيض: الحصى الكبار, أى أنهم جاءوا
بالصغير وبالكبير جميعًا.
قال الحصين بن الحمام المري:
وجاء جحاش قضها بقضيضه *** وجمع عوال ما أدق وألأما
قَوْلُهُمْ: تربت يداه
وهو على الدعاء أى لا أصاب خيرًا, وفى الدعاء تُربًا له وجندلًا وهو من الجواهر التى أجريت مجرى المصادر المنصوبة على إضمار الفعل غير المستعنى إظهاره فى الدعاء كأنه بدل من قولهم تربت يداه وجندلت, ومن
العرب من يرفعه وفيه مع ذلك معنى النصب وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال تنكح المرأة.
قال أبو عبيد: يقال للرجل إذا قلَّ ماله قد ترب أى افتقر حتى لصق بالتراب, قال ويرون –والله أعلم- أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يتعمد الدعاء عليه بالفقر ولكنها كلمة جارية على ألسنة العرب يقولونها وهم
يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر بها وقيل معناها: لله درك وقيل: هو دعاء على الحقيقة والأول أوجه –كما فى اللسان والنهاية- ويعضده فى حديث خزيمة (أنعم صباحًا تربت يداك) وفى حديث أنس: (لم يكن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابًا ولا فحاشًا كان يقول لأحدنا عند المعاتبة تربت جبينه) قيل أراد به دعاًء له بكثرة السجود.
قَوْلُهُمْ: حَنَانَيْكَ
مسكوكة لغوية تقال فى الاستعطاف الرقيق, عرفها العرب فى الجاهلية والإسلام, واستعملوها فى شعرهم ونثرهم. قال طرفة بن العبد الشاعر الجاهلى المعروف, يستعطف أحدهم:
أبا منذر, أفنيت, فاستبق بعضنا حنانيك, بعض الشر أهون من بعض
أى تحنن علينا واعطف حنانا بعد حنان, ومرة تلو الأخرى. وذكر علماء اللغة أن " حنانيك " مصدر سماعى جاء بصيغة المثنى لفظًا لا معنى, ولكنه أريد به التكثير, مثل لبيك, وسعديك ودواليك.
قَوْلُهُمْ: طُوْبَى لَهُم
مسكوك دالة فى معناها – على الاستحسان, وفيها معنى الدعاء للإنسان. قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [29 الرعد ].
وقال صلى الله عليه وسلم: (4): «طُوبَى لِعبدٍ أشْعَث رَأسه، مُغَبَّرة قَدَمَاهُ فِي سَبيلِ الله، طُوبَى لَهُ ثُمَّ طُوبَى لَهُ».
وفى الحديث أيضًا: «إنَّ الإسلامَ بَدَأ غَريباًً وَسَيَعُودُ غَريبًا كَمَا بَدَأ،فَطُوبَى للغُرَبَاء»(5)
وطوبى لهم