السلطة المطلقة مفسدة مطلقة
يحاول البعض السـياسـي/التاجر تسـويق مواقف الأنظمة العربية البترولية والمرتدة ، على صعيد الموقف من الحرب تحت مقولات مخاتلة براقة مخادعة ، ولكنها بالتأكيد زائفة وكاذبة ، وعين القائلين بها
على الرواتب الدولارية الشهرية التي تتدفق على جيوبهم ، إنَّ ألسنتهم تتلمظ على مناظر النقود البرَّاقة مثلما تسيل لعابهم على المنافع المادية . إنها المهمة المركزية في نطاق العدوان على العراق ، من
حيث الدعاية والإعلان الأمريكيين في إطار إعدادها السياسي والفكري لذلك العدوان ، وتبين سلسلة الاِحتجاجات الأمريكية على قنوات أبو ظبي والجزيرة وسورية الفضائية والمنار اللبنانية مدى الخشية الاِستثنائية
التي تنتظم جهودهم من تصوير الحقيقة كما هي ، سواء عبر عرض مفردات الجرائم الأمريكية البشعة التي تسبب فيها عمليات القصف العشوائي بحق الأطفال والنساء وكل الأفراد العراقيين ممن لم ينخرطوا بالقتال بصورة
فعالة ، أو نقل صور الأسرى من القوى المعتدية وخسائر المعتدين على صعيد المعدات . إنها المصداق العملي للاِستخلاص الذي نطق به الجنرال عندما اِعتبر كل الشعب العراقي كله مذنب في عام ..
إذا أخذنا الواقع السياسي القائم بنظر الاِعتبار ، على المستويات المحلية والعربية والإقليمية والعالمية ، من حيث القوى المتصارعة على الأرض التي تجري فوق ميادينها الحرب الكلية ، رأينا بشكل
واضح إنَّ الطرفين المتحاربين هما الدولة العراقية المدافعة عن الأرض والمجتمع والمؤسسات الحكومية ، من ناحية ، ودولة الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة تفردها في العالم بقوتها وجبروتها وتقدمها التقني ،
من ناحية أخرى . وعلى جانبي هذين الطرفين المتصارعين المتحاربين : العراقي والأمريكي ، يتخذ البعض العربي والإقليمي والعالمي مواقفه السياسية الواضحة أو المخاتلة ، فمنهم مَنْ قاتل تحت الراية الأمريكية وفي
سبيل أهدافها السـياسـية والاقتصادية : كبريطانيا وأستراليا وسلطة آل صباح ، ومنهم مَـنْ ساندها بالموقف العملي والكلمة الدعائية كأغلب أجهزة الدعاية الغربية بشكلٍ عام ، وسلطات آل سعود ومبارك والملك عبد
الله وخليفة وغيرهم . إنَّ عدم التطرق للموقف السياسي الخاص بكيان الاِغتصاب ، والصراخ السياسي الدعائي التي تجري ألفاظها على ألسنة الشخوص المحسوبة على الجنسية العراقية . دون أنْ يتمكنوا وبشكل مطلق
: التطرق للتحليل الفكري والسياسي الملموس للموقف السياسي الملموس .
كانت محاولة الطرف المعتدي لإعادة إنتاج تجربة عدوان عام 1991 قد فشلت تماماً منذ اللحظات الأولى ، عندما حاول المعتدي تصوير الأمر على إنَّ القوى العدوانية العسكرية الأمريكية ــ
البريطانية ستذهب إلى اِحتلال الدولة العراقية هي مجرد نزهة ، يتم على ضوئها اِستقبال الشعب العراقي للغزاة بالهلاهل والزغاريد والموسيقى الصدَّاحة والورود ، ولكن تبين بمجرد تحقيق الصمود الوطني العراقي في
أم قصر ، الذي هو ـ وفق كل المقاييس ـ أولى خطوات تحقيق النصر الحاسم على الأطراف المعتدية ، وكانت عرض صور الأسرى والقتلى من الجنود الغزاة النسغ الذي بعث روح الحياة في الشعور القومي العربي بعد أنْ كتم
اليأس والهزائم العربية أمام الجبروت الأمريكي ـ الصهيوني ، أنفاس المناضلين العرب ودفع الشعب العربي ، وعموم المخلصين ، إلى الزهو والفخار بالفعل الثوري العراقي والعربي .
لكن التجربة الأمريكية التي جاءت ثمار نتائجها باهرة في عدوان 1991 لم تستطع تكرار عملها مجدداً ، بسبب القوة العراقية المجابهة للعدوان على أرضية النهج القتالي المقاوم الواضح ، ومن المعلوم ـ
كما يشـير المتابعون والموثقون ـ إنَّ الخطط الأمريكية كانت ((شاملة للعمليات المعنوية والنفسية والدعاية المضادة وأساليب التنسيق)) القيادة العسكرية للعدوان ، مثلما تضمنت اللوائح ((والإجراءات المتعلقة
باِعتماد المراسلين العسكريين ووجودهم في ميدان العمليات وخطوات الرقابة على التغطية على الدعاية للعمليات)) وإنشاء المراكز الإعلامية/الدعائية : المرئية والمسموعة والمقروءة ، للدرجة التي كان المجموع منهم
مشاركين في كل الأزمة العالمية ، من جهة ، ووقف الجميع على جانبي العراق الوطني المدافع : كدولة ، وعلى الجانب الأمريكي المعتدى عليه ، من جهة أخرى .
إذا كان إفشال العراق للخطط الأمريكية في الدعاية والإعلان ، قد جعل جميع العرب المتابعين المخلصين يتأكد من كذب ودجل تلك الدعاية ، ويتحصن ذاتياً عبر الخبر الصادق المدعَّم بالصورة الحية ،
فإنَّ بعض الفضائيات ((العربية)) أصرت على تمرير السم بالدسم ، من خلال مقابلات شخصية مع أناس أعطوا أنفسهم صفات العلمية والنزاهة والموضوعية , وهم أبعد عنها بيداً دونها بيدُ ، كما يقول المتنبي العظيم ،
أولاً ، واِستحضار بعض المرتزقة إلى غرف التصوير بعد أنْ يجري تصويرهم بأنهم معارضة عراقية ، ولا ندري أية معارضة تلك التي ترقص طرباً لخراب العراق ومقتل شعبه ، ثانياً ، علاوةً على كونهم يدافعون عن
الذرائع الفكرية والأكاذيب السياسية الغربية .
من بين تلك المقولات البائسة التي يجري التوسل بها ، تمريراً للسم وسط الدسم ، مقولة ((السلطة المطلقة مفسدة مطلقة)) وترويجها بعد إقرانها بالسياسة الوطنية العراقية من أجل حبك التضليل بشكل
أكثر . ومن أجل ترويج وجهة النظر الأساسية لليانكي الأمريكي تستضيف بعض القنوات التلفزيونية العربية المؤيدة للعدوان ، إضافة لقنوات أخرى دأبت على ضخ الدعاية السياسية والفكرية المضادة للعراق ، من خلال
برامج تسـمي نفسها نوائي سياسية يشرف عليها مرضى الشعور بمركب النقص تجاه مقولات غربية ، ترطن بمسألتي الديمقراطية وبضاعة حقوق سياسية للإِنسان . . . من أجل الترويج لكل ذلك تستضيف ((نكرات وأسماء)) اِعتادت
على تكرار التبشير بما أسماه السيد رجا غارودي ((الاِنحطاط الأمريكي : التأمرك ، ومع التأمرك رطانته ومفرداته السائدة : التفرج ؛ التسوق ؛ التسوح ، يرافقها اِستهلاك الجاهز الموضب من الثقافة بصرياً ومالياً
، بدءاً بماكدونولز واِنتهاءً بالكوكاكولا)) ، واِستبدلت بضاعتها التجارية الكاسدة ببضاعة سياسية لا تمانع من الولوغ بالدم العراقي ، بغية إغناء الجيوب ، بعد أمتعها منظر شيكات المائة مليون دولار التي
نثرتها عليهم المخابرات المركزية الأمريكية .
((السلطة المطلقة مفسدة مطلقة)) نعم هي حقيقة عيانية ملموسـة ، نلحظ مفرداتها يومياً من على الشاشات المرئية ، بالمظاهرات الجماهيرية التي تطالب بوقف العدوان الأمريكي ــ البريطاني على العراق
، ومن خلال القرف اللانهائي الذي يبديه الأشخاص المهمون ، الثقاة ، المفكرون تجاه الجرائم البشعة التي يرتكبها المعتدون على الأطفال والنساء والمستشفيات بوساطة طائراتهم المتطورة .
فمن هي السلطة العالمية المطلقة القائمة على كل الكون التي تتصرف على ضوء مصالحها الإستراتيجية ؟ ، وعلى ضوء رؤيتها الفكرية والسياسية التي تقتضي أنْ يكون العالم من غـيـر حدود ؛ والأسـواق
مفتوحة إنتاجها ؛ وميادين الإعلام والدعاية متاحة أمامها ؛ وعملاتهم متدفقة على البلدان الأخرى ومن دون رقابة إلا رقابتهم على الآخرين . لقد اِتخذ قرار العدوان بالحرب الشاملة على الدولة العراقية
المستقلة ذات السيادة وإحدى الدول المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة ، ومن دون الرجوع إلى المؤسسات الدولية التي نظرَّت لشرعيتها عندما لاءمت مصلحتها السياسية ، وضربت بعرض الحائط كل الأصوات الدولية
الفاعلة في كل العالم التي عارضت قرار الحرب ، مَنْ تجاهل سابقاً ـ مثلما يتجاهل اليوم ـ كل القرارات الدولية بخصوص الكيان الصهيوني ، وقرارات المفتشين الدوليين عن السلاح التدمير الشامل وتضمينهم التقارير
الصادرة عنهم بخلو العراق منه ؟ ! .
مَـن يستخدم اليوم الأسلحة الشاملة المدمرة المحرمة دولياً كالقنابل العنقودية على الأبرياء من البشر العراقيين ؟ . مَن يعبث بالسلم والأمن الدوليين في سبيل بقاء أمريكا متفرد في العالم ؟ . من
يتجاهل رغبات الملايين . . . الملايين من سكان الأرض الذي أبدوا إِداناتهم المتتالية المتوالية ضد قرارات الرئيس الأمريكي وتابعه البريطاني طوني بلير بشن الحرب الاِنفرادية ضد العراقيين كلهم ؟
.
إنَّ الجواب على ذلك واضحاً لمن كان يمتلك الضمير الإنساني النزيه : إنه صاحب السلطة المطلقة في هذا العالم ، الذين يحاول أبطال الندوات الأمريكية رؤية ومواقف ، والراطنون بكلمات عربية ، ممن
يحضرون للفضائيات المؤيدة للعدوان ، والسلطات المساندة : قولاً وفعلاً للغزو . . . التضليل عليه والتمويه على الأهداف الحقيقية للحرب .
مَنْ هي السلطة المطلقة : أهي التي تركل كل الرأي العام العالمي بأقدامها ، وتعلن قراراتها السياسية ، أم المدافعون عن وطنهم ؟ هذا ما لا يجيب عنه المتحدثون أبداً ، في إذعان كامل لسلطة المال
الخليجي ، الذي يدفع لمروجي الرؤية السياسية الأمريكية ، التي تستهدف تحقيق مصالحها أولاً وأخيراً : السيطرة على النفط . ترسيخ فعل الكيان الصهيوني وفرض النظام الشرق الأوسطي . الحضور العسكري الأمريكي في
المنطقة . تخليف العراق على كل الصعد وإِِرجاعه إلى سنوات التقهقر والتصحر . إنَّ السلطة العالمية المطلقة تفسد الواقع العالمي بشكل مطلق ، فما من مؤسسة دولية يمكنها العمل بشكل مستقل ، ومن دون أنْ تكون
فاعلة في عملها دون أنْ تخدم الرؤية الأمريكية عالمياً ، وفي حال إصرارها على إتباع