المخدرات وأثرها على الفرد والمجتمع
المقدمة
الحمد لله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا حمدا كثيرا دائما ما تتابع الليل والنهار، كلّما حمد
الله جل وعلا الحامدون، وكلّما غفل عن حمده سبحانه الغافلون
وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
أما بعد
فإن نعم الله علينا كثيرة قال الله تعالى في كتابه العزيز ﴿وَإِن تَعُدّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنّ اللّهَ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ﴾النحل18 , ومن أعظم هذه النعم نعمة العقل , وبالعقل ميز الله عز وجل
الإنسان وكرمه على سائر خلقه قال تعالى﴿وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَىَ كَثِيرٍ مّمّنْ خَلَقْنَا
تَفْضِيلاً﴾الإسراء70] , ففي هذه الآية الكريمة يخبرنا الله تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كقوله تعالى ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾التين ،فهو يمشي
قائما منتصبا على رجليه ويأكل بيديه ، وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه ، وجعل له سمعا وبصرا وفؤادا يفقه بذلك كله وينتفع به ويفرق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدينية
والدنيوية , ولقد أمرنا الله تعالى بشكره على هذه النعم , ومن تمام شكره له المحافظة على ما أنعم الله به عليه.
ومن العجب أن بعض هؤلاء الناس يعبث بما أنعم الله عليه به , كعبثه بصحته , وعقله وذلك بأن يقوم بتناول المخدرات التي تذهب بعقل المرء وتجعله لا يتحكم في تصرفاته , فتجعله كالبهيمة لا يعقل ما يفعل كما تؤدي
به إلى تدمير صحته ، هذا على النطاق الخاص به , أما على نطاق الأسرة والمجتمع الذي يعيش فيه فهي تؤدي به إلى دمار كبير , وإن قلنا أنها تؤدي إلى دمار أكثر مما تؤدي الحروب من دمار لا نكون قد ضخمنا
الأمر.
إن للمخدرات أسباب تؤدي إلى انتشارها في المجتمع فوجب على المجتمع بجميع فئاته التصدي لهذه الآفة الفتاكة , وفي هذا البحث سوف تجد أن شاء الله تعالى أسباب تعاطي المخدرات وخاصة بين الشباب و سوف تجد باب
لطرق مكافحتها , وغيرها من المباحث التي سوف تكون إن شاء الله تعالى عونا لكل من أراد أن يساهم في نزع هذه العادة السيئة عن مجتمعنا , هذا المجتمع الذي لا يرضي بمثل هذه العادات , لا من الناحية الدينية ,
ولا من الناحية الاجتماعية , ولا الناحية الأخلاقية , فنحن بحمد الله تعالى مجتمع مسلم , والإسلام لا يرضي للمسلم هذه العادة التي تضرهَ , قال الله تعالى ﴿لاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ
بِكُمْ رَحِيماً﴾ , وقال سبحانه وتعالى ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿لا ضرر ولا ضرار﴾ , فوجب على المسلم أن لا يفعل الشئ الذي فيه ضرر به أو
ضرر على من حوله , وإذا نظرنا إلى هذه الآفة وجدناها تؤدي بالضرر إلى من تعاطاها ومن حوله , وهو بذلك مخالف لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم , كما أن فيها من إسراف المال الشئ الكثير , ولقد قال الله
تعالى ﴿إِنّ الْمُبَذّرِينَ كَانُوَاْ إِخْوَانَ الشّيَاطِينِ وَكَانَ الشّيْطَانُ لِرَبّهِ كَفُوراً﴾الإسراء 27, كما أن مجتمعنا الذي نعيش فيه مجتمع يحترم فيه الصغير الكبير , ويوقر فيه الابن والديه ,
والجار يحترم فيه جاره , والصديق يساعد صديقه , فهذه الآفة الخبيثة إذا دخلت مثل هذا المجتمع سوف تهدم كل هذه القيم التي ورثناها عن إباءنا وهم ورثوها عن أجدادنا , فتؤدي بالتالي إلي تدمير هذا المجتمع ,
ونزع كل هذه القيم.
من أجل هذا وغيره وجب على جميع أفراد المجتمع التصدي لهذا المرض العفن , و قلعه من جذوره والرجوع إلى تعاليم ديننا الحنيف وإلى أخلاق سلفنا الصالح من كرم وشجاعة وصدق لكي نعود كما كنا أمة سباقة إلى كل ما
هو مفيد , ولا يكون هذا إلا بشبابنا فنسأل الله أن يهديهم إلى صواب الطريق إنه القادر على ذالك ونعم الوكيل.
سبب انتشار المخدرات
إن للمخدرات أسباب كثيرة تساعد على انتشارها بين أفراد المجتمع وخاصة الشباب منهم ويمكن أن نحصر هذه الأسباب فيما يأتي:
1) انعدام التربية السليمة في البيت :
إن السبب الأول في انحراف الشباب هو التربية الغير سوية من طرف الوالدين ,فالطفل كالصفحة البيضاء ترسم فيها ما تشاء فإذا كانت تربيته منذ البداية مبنية على أسس ومبادئ الدين الإسلامي فالنتيجة هي إنسان صالح
بإذن الله تعالى ,ولا اقصد في قولي بأن كل اللوم يكون على الوالدين فهناك الأسرة والمدرسة والمجتمع ولكن ما أقصده هو أن الطفل أول ما يفتح عينه يرى أمه وأباه , فإذا وجد الطفل الأب يدخن مثلاُ وهو يعتبر هذا
الأب قدوة له فإنه والحال هذا يكون من الصعب إقناعه بعدم التدخين إذ كيف يستطيع الأب أن يمنع ابنه عن شيء هو يفعله , وكما قيل قديما فاقد الشيء لا يعطيه , والعكس بالعكس فإذا كان الأب ذا أخلاق وبعيد عن
الرذائل , فالنتيجة تكون بإذن الله طفل صالح.
فالواجب على الآباء مراعاة ما استرعاهم الله به قال صلى اللّه عليه وسلم: ﴿ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته: فالأمير الذي على الناس راعٍ عليهم وهو مسئولٌ عنهم، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئولٌ
عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بعلها وولده وهي مسئولةٌ عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسئولٌ عنه؛ فكلُّكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته﴾.
2) الفـراغ عند الشباب وخطـورته :
الوقت هو حياة الإنسان ولا بد من استغلاله فيما يعود عليه بالنفع، فكم من أناس يقضون أوقاتهم في غير فائدة تذكر، أو منفعة تسطر!! ولما كان الفراغ قاتلاً للأوقات، خاصة وقت الشباب الذي هو أغلى شيء؛ كان
الاهتمام به أبلغ وأشد , كما هو معلوم فان الإنسان يسأل يوم القيامة عن وقته قال صلى الله عليه و سلم ﴿لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه
وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم﴾
إن الفراغ في حياة المرء أمره خطير، وشره مستطير، وخاصة عند الشباب.
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
لأن الفراغ مفسدة للمرء إن لم يوجه في الخير فإنه يسبب مشاكل كثيرة؛ ولذا لا بد أن يملأوا أوقاتهم بما يفيدهم ويفيد أمتهم , وإلا كان وبالا عليهم , وقضيتنا هذه من هذا القبيل , فالفراغ قد يؤدي بصاحبه إلى
تناول المخدرات إن لم يستغله فيما ينفعه , إن الفراغ نعمة في حق العبد إذا استعمله فيما يعود عليه بالنفع في دنياه وأخراه، أما إذا لم يغتنمه الشاب تحول من نعمة إلى نقمة، ومن منحة إلى محنة، ويصبح شبحًا
مخيفًا يحول الشاب إلى ألعوبة بيد شياطين الجن والإنس , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ﴾ , و قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ﴿إني لأمقت الرجل أن
أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة﴾.
3) الرفقة السيئة :
إن الاتصال بقوم منحرفين و مصاحبتهم يؤثر كثيرا على الشباب في عقله و تفكيره و لذلك جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ﴿المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل﴾ و قال صلى الله عليه و سلم ﴿مثل
الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك : إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة﴾متفق عليه.
إن الرفقة من الحاجات الاجتماعية لكل إنسان ، لأن الرفقة حاجة نفسية متأصلة في النفس البشرية ، فإذا صلحت الرفقة صلح الإنسان والعكس بالعكس , وعليه وجب على الإنسان أن يختار الرفقة الحسنة التي تعينه في
أمور دينه ودنياه.
إن من أهم عوامل وقوع بعض الشباب في بعض الرذائل والتي من ضمنها موضوع بحثنا هذا هي الرفقة السيئة ,فالحذر الحذر من رفيق السوء، فإنه يُفسد عليك دينك ودنياك ، يجرّك إلى الرذيلة، ويباعدك من كل فضيلة، حتى
يُجرّئك على فعل الموبقات والآثام، والصاحب ساحب، فقد يقودك إلى الفضيحة والخزي والعار، ويوقعك في المحذورات من التدخين وشرب الخمر و المخدرات.
4) البيئة المحيطة بالشباب :
قال صلى الله عليه وسلم: ﴿كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه﴾ , فكل إنسان يولد على الفطرة التي فطره الله عليها , وإنما ينحرف بسبب ما يجد عليه من حوله , ويتغير بما يجده
أمامه , فالنفس البشرية قابلة للخير والشر، وعندها استعداد للاستقامة أو الانحراف والبيئة هي التي تعزز ذلك وتيسره , فللبيئة تأثير خاص على الإنسان، فإن تربى في بيئة تعتز بالفضيلة والأخلاق الحسنة، صار
الإنسان كذلك ، وإن عاش في بيئة فيها من الفساد الأخلاقي والفكري، أصبح على حسب ما فيها منه ، فالإنسان يؤثر ويتأثر.
5) الأعلام :
إن الإعلام سلاح ذو حدين من الممكن أن يكون نافعًا، ومن الممكن أن يكون عاملاً من عوامل الانحراف، ولكن ما نشاهده اليوم عبر الصحون الفضائية , إبتداءا من أفلام الكارتون إلى المسلسلات والأفلام وغيرها من
البرامج فيها من نشر الانحراف كالرقص والزنا وشرب المخدرات وجرائم السرقة الشيء الكثير ,فكل هذا