حزب الله الذراعُ القوي لإيران في لبنان، والمنطقة العربية، وهو الركيزة المهمة لنظام الأسد في جواره الأهم، كذلك، اكتسبَ كثيرا من قوته العسكرية بالدعم
الإيراني، والمساعدة السورية، وتكمن أهميةُ سورية للحزب في عدة أمور،
لعل أبرزها ثلاثة:
الأول: الإمداد بالسلاح؛ بالسماح للسلاح الإيراني بالوصول إليه بسهولة.
والثاني: الدعم السياسي له، في لبنان، من خلال تحالف القوى اللبنانية الموالية لسورية، والمستقوية بها، معه.
والثالث: الدعم السياسي له في العالم العربي، وفي المحافل العربية الرسمية.
فمن المؤكد أن حزب الله سيتضرر من غياب هذا النظام العلوي عن سورية، كما ستتضرر إيران؛ لأن تمرير السلاح إليه من سورية سيتوقف، وسيتوجب على طهران البحث عن طرق، وبدائل أخرى، ومن الدول المرشحة لهذا الدور
تركيا، لكنها ترفض ذلك، ولن يكون في مقدور نظام الملالي أن يعوِّض عن خسارته سورية في دولةٍ لها توجهاتٌ مختلفة، ومتناقضة، أحيانا مع إيران؛ فتركيا لا يفيدها تعاظمُ حزب الله؛ لأن ذلك يصبُّ في مد النفوذ
الإيراني، في الإقليم، على حساب التطلعات التركية في دور أكثر فاعلية فيه.
وتركيا ليست حريصة على الدخول في مواجهة مع أمريكا، والغرب، من أجل حزب الله، وإيران، ولو أن للبلدين: تركيا وإيران مصالح اقتصادية وتجارية متبادلة ليست هينة، وكلا الطرفين حريص على استمرارها؛ فلا يتوقع أن
تتأثر هذه العلاقاتُ بالموقف التركي الرافض للحلول محل سورية، في حال سقط نظام الأسد، لتصبح أراضيها معبرا للسلاح الإيراني، ثم عن طريق البحر، إلى لبنان. فالعلاقات الاقتصادية نفعُها للطرفين، وهي ليست
مشروطة، أصلا، بمثل هذا التعاون التركي.
قد يقول قائل: ما أهمية السلاح الإيراني لحزب الله؟ وما حجم تأثيره في قوة الحزب، ومكانته؟
بالتأكيد له دور بالغ؛ لأن هذا الحزب، هو منظمة عسكرية، في المقام الأول، ورصيده الذي حققه، في لبنان، والعالم العربي، كان معظمُه عائدا إلى المكاسب العسكرية التي حققها، في المواجهة، مع «إسرائيل» ولولا
السلاح والتدريب الإيراني، والتسهيلات والدعم من نظام الأسد، بعد أن تحولت حركة أمل، إلى العمل السياسي، وتركزت «المقاومة» في حزب الله، لولا هذا الدعم من الدولتين، وكان يرافقه دعم من الدولة اللبنانية
التي كانت تشرف عليها سورية، لولا ذلك لما بلغ حزب الله هذا المبلغ من القوة، بحيث أصبح دولةً داخل الدولة، بل أعظم كفاءة عسكرية من جيش الدولة اللبنانية، نفسها.
فمن المؤكد أنه في حال غابَ نظام الأسد، ونشأ في دمشق نظامٌ غير متحالف استراتيجيا مع طهران؛ فإن إيران سيصيبها ضرر فادح يحرمها من بوابة سورية العربية. وسيزيد هذا من عزلتها، ولن يكون الضرر على حزب الله
أقل، وأهون.
هل يعني ذلك نهاية حزب الله؟
ليس من المتوقع حدوث ذلك، بهذه البساطة والسرعة؛ فالدعم المالي لن يتوقف من إيران، وهذا مهم جدا في تمكين الحزب في الداخل اللبناني، كما يبقي له بعض القدرات في تطوير سلاحه، وتجهيزاته العسكرية الذاتية، أو
بالمعونات الخارجية المتيسرة.
ولا يمكن أن نغفل عامل قوته الذاتي؛ إذ إن الغالبية الساحقة للشيعة في لبنان تدين بالولاء العميق لحزب الله، وتستعد للتضحية في سبيل هذا الحزب الذي تماهت به، وصار وجود معظمها ومصالحها، مرتبطا
ببقائه.
فهل ثمة عوامل إضعاف أخرى؟
نعم، هناك غير عامل يفضي إلى إضعاف حزب الله، بعضها من تداعيات سقوط نظام الأسد، وبعضها ليس له علاقة مباشرة، بذلك، ومن تلك العوامل:
تراجع المواجهة مع«إسرائيل»: لا يخفى أن مكانة حزب الله تراجعت بعد توقف الحرب مع «إسرائيل» صيف 2006م، ولا سيما بعد أن تلقَّى حزبُ الله ضربةً قوية من الصهاينة باغتيال القائد العسكري المهم، عماد مغنية،
ومرور سنوات دون أن ينجح الحزب في رد اعتباره، والثأر له منهم. فهذه ليست ضربة مادية حرمت الحزب، من قائد عسكري رفيع، فقط، بل إنها فوق ذلك، ضربة معنوية لحزبٍ طالما تفاخر بإنجازه وعدَه، ووعيدَه.
المحكمة على خلفية اغتيال الحريري: وقد تطورت لتوجيه اتهامات لأفراد في حزب الله، وضاق خناق الاتهام عليه؛ وبقطع النظر عن ثبوت ذلك، من عدمه؛ فإن وضعه في دائرة الاتهام والدفاع، في مثل هذه القضية السياسية
التي هزَّت لبنان والمنطقة، لن يكون مريحا للحزب، ولا مبيِّضا لصورته.
تحديث للسؤال برقم 1
موقف حماس: فقد تعيد حركة المقاومة الإسلامية النظر في علاقتها بالحزب، إثر تعديل علاقتها بسورية الجديدة، ولا يخفى أن حماس، منذ بدء التظاهرات في سورية ورد النظام الهمجي عليها، في
حالة لا تسمح لها بتأييد قوي وصريح لنظام البعث في سورية؛ فلا شك، سيكون لها موقف كلي جديد، منها بعد فراغها منه.
علما بأن قادة حماس ألمحوا مرارا إلى حاجتهم إلى دعم عربي، يغني الحركة عن إلقاء كل بيضها، في السلة الإيرانية، وليست سورية الأسد، ببعيدة عن إيران؛ فهما سواء؛ فحين تجد حماس نظاما جديدا في سورية، وقد يكون
أقرب إلى تركيا، أردوغان، فإنها ستعيد النظر في علاقتها بحزب الله.
وهذا التراجع في علاقة حماس بحزب الله يسهم في إضعافه، معنويا؛ لأن الحركة تمثل رمزيةً مهمة لفلسطين التي يتقَّوى بها، حزبُ الله، ومِنْ ورائه إيران؛ للظهور بمظهر الداعم للمقاومة الفلسطينية؛ ما يجعله
متصديا أبرز للاحتلال «الإسرائيلي» المدعوم أمريكيا.
وسيقتصر حينها الحزب، تقريبا، على رصيده هو، القائم على مجابهة «إسرائيل» وهنا يظهر أثر الأداء الصهيوني في لبنان، ودرجة الاستفزازات والاعتداأت، والخروقات الجوية للسيادة اللبنانية، وما شابه.
فإذا تكثفت الاعتداأت «الإسرائيلية» على لبنان؛ فإن الحاجة إلى حزب الله وسلاحه ستزداد لبنانيا، وهنا يبرز دور الجيش اللبناني؛ فإذا سُمح له بالارتقاء العسكري، والتسلح المناسب؛ فإن دواعي تسلح حزب الله
ستخف.
وإذا مالت العلاقة بـ«إسرائيل» إلى الهدوء، وقويت شخصية الدولة اللبنانية، وتطورت قوة الجيش، وخفَّ الدعم العسكري لحزب الله، وتوقف الدعم السياسي له من جارته الكبرى سورية فإنه لن يبقى لحزب الله إلا قوته
الذاتية الشعبية؛ ليكون قوة سياسية من القوى اللبنانية الأخرى، وليس لاعبا إقليميا، وذراعا فاعلا لإيران، وسورية.
زد على ذلك تطورات المحكمة الدولية التي تنظر في جريمة اغتيال الحريري، فلو أُدين أعضاءٌ في حزب الله بجريمة الاغتيال، أو مقربون منه؛ فإن مضاعفات ذلك على الحزب ستكون باهظة.