تفسير ابن كثير
ثم قال تعالى "والذين جاهدوا فينا" يعني الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين "لنهدينهم سبلنا" أي لنبصرنهم سبلنا أي طرقنا في الدنيا والآخرة. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أحمد بن
أبي الحواري أخبرنا عباس الهمداني أبو أحمد من أهل عكا في قول الله تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" قال الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله لما لا يعلمون قال أحمد بن أبي
الحواري فحدثت به أبا سليمان يعني الداراني فأعجبه وقال ليس ينبغي لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر فإذا سمعه في الأثر عمل به وحمد الله حتى وافق ما في قلبه. وقوله "وإن الله لمع
المحسنين" قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عيسى بن جعفر قاضي الري حدثنا أبو جعفر الرازي عن المغيرة عن الشعبي قال: قال عيسى ابن مريم عليه السلام إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك ليس الإحسان أن
تحسن إلى من أحسن إليك والله أعلم. آخر تفسير سورة. العنكبوت ولله الحمد والمنة.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : " والذين جاهدوا فينا " أي جاهدوا الكفار فينا . أي في طلب مرضاتنا . وقال السدي وغيره : إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال . وقال ابن عطية : فهي قبل الجهاد العرفي ، وإنما هو جهاد عام في دين
الله وطلب مرضاته . قال الحسن بن أبي الحسن :الآية في العباد . وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم : هي في الذي يعمون لها يعلمون . وقد قال صلى الله عليه وسلم " من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم " ونزع بعض
العلماء إلى قوله : " واتقوا الله ويعلمكم الله " [ البقرة : 282] وقال عمر بن عبد العزيز : إنما قصر بنا اعن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا ، ولو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علماً لا تقولم به
أبداننا ، قال الله تعالى " واتقوا الله ويعلمكم الله " [ البقرة 282] . وقال أبو سليمان الداراني ليس الجهاد في الآية قتال الكافر فقط بل هو نصر الدين ، والرد على المبطلين ، وقمع الظالمين ، وعظمه الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله وهو الجهاد الأكبر . وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك : إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول : "
لنهدينهم " . وقال الضحاك : تمثل السمة في لادنيا كمثل الجنة في العقبى ، ومن دخل الجنة في العقبى سلم ، وكذلك من لزم السنة في الدنيا سلم . وقال عبد الله بن عباس : والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل
ثوابنا. وهذا يتناول بعموم الطاعة جيمع الأقوال . ونحوه قول عبد الله بن الزبير قال : تقول الحكمة من ظلبني فلم يجدني فليطلبني في موضعين : أن يعمل بأحين ما يعلمه ، ويجتنب أسوأ ما يعلمه . وقال الحسن بن
الفضل فيه تقديم وتأخير أي الذين هديناهم هم الذين جاهدوا فينا . " لنهدينهم سبلنا " أي طريقف الجنة ، قاله السدي . النقاش : يوفقهم لدين الحق . ,وقال يوسف بن أسباط : المعنى لنخلصن نياتهم وصدقاتهم
وصلواتهم وصيامهم . " وإن الله لمع المحسنين " لام تأكيد ودخلت نفي ( مع ) على أحد وجهين : أن يكون اسماً ولام التوكيد إنما تدخل على الأسماء ، أو حرفاً فتدخل عليها ، لأن فيها معنى الاستقرار ، كما تقول إن
زيداً لفي الدار . و( مع ) إذا سكنت فيه حرف لا غير . وإذا فتحت جاز أن تكون اسماً ، وأن تكون جرفاً ، والأكثر أن تكون حرفاً جاء لمعنى . وتقدم معنى الإحسان والمحسنين في ( البقرة ) وغيرها . وهو سبحانه
معهم بالنصرة والمعونة ، الحفظ والهداية ، ومع الجميع بالإحاطة والقدرة . فبين المعيتين بون .