درج مصطلح (الصحافة الصفراء) حتى بات ملتبسا، يحتاج الى شرح وتوضيح او تحديد معناه عند استخدامه غير انه يعود في اساسه الى مصطلح آخر هو (الكتب الصفراء) وقد كان
يقصد به تلك الكتب القديمة عديمة النفع والقيمة التى اكل الدهر عليها وشرب، واصفرت اوراقها وتقادمت معلوماتها، ولم تعد ذات صلة بالحاضر.
ويقول صاحب القاموس المحيط: الصفرة، بالضم، السواد ـ من الاضداد ـ وقد اصفر فهو اصفر (وهي صفراء) والصفراء المرة (المرارة) المعروفة، والصفر بالتحريك : داء في البطن يصفر الوجه. واصفر .. افتقر وصفرت وطابه:
مات . ومن هذه الاصول نجد ان مصطلح (الصحافة الصفراء) ومثله الكتب الصفراء اشارة ذات معنى الى خلوها من المضمون، والى ما فيها من داء ومرض، وهزال وغرض.
واحسب ان هذا هو المعنى المقصود بإلصاق هذا اللون واضافته الى الصحافة او الكتب ليكون مجازا يفيد القدح والذم. وهكذا فهي صحافة تفتقر الى الصدقية، والدقة، وتميل الى التهويش والتهويل والمبالغة، وتعتمد على
الاشاعات او الاخبار الكاذبة او المحرفة او المصنوعة ! وهذا يفقدها ثقة القارئ بها، ويجعلها اوراقا صفراء، لا يطمئن لها احد اولا ولا يكترث بما فيها احد. وقد يكون هذا الوصف عاما او مطابقا لاكثر ما تحمله
مثل تلك: الصحف والاوراق، لا كله .
وعلى هذا ينبغي التوقف عند مصطلح آخر هو (الصحافة الشعبية) المقابل لتسمية الصحافة الرسمية (او الحكومية) .. والذي يختلف عن مصطلح (الصحافة الصفراء)، لان صفة الشعبية تعني مدى اقتراب هذه الصحف من الشعب او
من عامة الناس .. وقدرتها على مخاطبتهم بألسنتهم ولغاتهم وحسب مستوياتهم وافهامهم .. وهو قد يذهب الى ملاحظة الاسلوب واللغة والتعبير او المضمون، مثلما يذهب الى حجم الصحيفة وطريقة ترقيبها واخراجها
(الشكل). وتلك مسألة اخرى لا تتصل بالذم او الاساءة بل صفة ايجابية ملازم نوعا معينا من الصحف وقد اصبحت (علما) عليها (بالتحريك).
ومن هنا فان (الصحافة الصفراء) قد تكون يومية او اسبوعية او شهرية او دورية .. مثلما انها قد تكون واسعة الانتشار، سيارة، ذائعة الصيت، شديدة الأثر !! او على عكس ذلك مغمورة قليلة الانتشار، ضعيفة التوزيع،
وذات اثر محدود، ان لم يكن معدوما، ناهيك عما يمكن ان تصدر تحته من اسماء وعناوين لا تمت الى حقيقتها بصلة.
وهذا ينطبق على نوع من الصحافة في بلادنا العربية، هذه الايام، خصوصا تلك الصحف التى تحطب في ليل، او تشكل لسان جال (مؤامرات تحاك تحت جنح الظلام) .. او تتلقى المال الحرام على ما تنشره .. وتوزعه وتبثه من
اكاذيب وسموم تهدم ولا تبني .. وتفرق وتمزق لا تجمع، ولا توحد وامثلتها كثيرة، وهي واضحة للعيان ولا تخفى على احد وخصوصا على النبهاء والاذكياء، من القراء، والمتابعين الذين لا يختلط عليهم اللون الابيض
باللون الاسود !! ولا الاصفر بالاخضر !! ولا النقي بالمغشوش ! .. واما الزبد فيذهب جفاء ، واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض.