في عصرنا الحاضر يعاني العالم بوجه عام وأمتنا العربية والإسلامية بوجه خاص من مشكلة خطيرة ومرض عظيم ألا وهو
( سوء الأدب مع الله عز وجل ) .
وللأسف الشديد هذه المشكلة لا يتصف بها عامة الناس فحسب بل أكثر ما تجدها فيمن يطلق الناس عليهم لقب " مثقفي الأمة أو المفكرين " .
وكأن الله عز وجل قد أصبح بشرا أو شخصا عاديا مثلهم فيتجرؤون عليه كيفما يشاءون – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - ، بل إنهم ليقدمون هالات التقديس والاحترام لبعض زعماء البشر لا يقدمونها لله عز وجل ، وكان
معيار حرية الفكر والمدنية أصبح في التجرؤ على الله عز وجل وعلى رسله وأنبيائه بداعي الليبرالية أو حرية الفكر والتعبير .
بالفعل لكل إنسان حرية الفكر والتعبير واتباع المنهج الذي يراه صحيحا من وجهة نظره – نحن لا ننكر ذلك على احد – قال الله تعالى : " لكم دينكم ولي دين " ، ولكن هناك ثوابت وحواجز لا يجوز بحال من الأحوال
تخطيها أو التعدي عليها وأول هذه الثوابت (الأدب مع الله عز وجل ومع رسله وأنبيائه) ، وقد أخبر الله عز وجل عن هذه الفئة من الناس في القرآن الكريم قال تعالى : " مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا
" .
تعالوا بنا نرى مشهدا عظيما لحسن الأدب مع الله في قصة موسى -عليه السلام- مع الخضر، فعندما سأل موسى عليه السلام ربه عز وجل عن أعلم أهل الأرض دله الله عز وجل على هذا العبد الصالح ( الخضر ) فلما جاءه
موسى وطلب منه أن يعلمه الخضر مما علمه الله ، وافق الخضر موافقة مشروطة على أن يحسن موسى صحبته وأن يصبر على ما يراه حتى يبين له الخضر السبب وراء ما يفعله .
وعندما أرادا عبور البحر طلبا من بعض المساكين كانت لهم سفينة تعمل في البحر أن يحملوهما معهم وافق أصحاب السفينة وأخذوهما بدون أجر وعندما ركبا معهم السفينة أحدث الخضر فيها خرقا أو ثقبا فتعجب موسى عليه
السلام : أهكذا يكون جزاء المعروف والإحسان ؟ فلم يستطع موسى عليه السلام – لقوة ضميره ونقاء سريرته – صبرا على ما يراه، فأنكر على الخضر ما فعله ، قال تعالى : " فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي
السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً " .
انظر إلى عظمة الإجابة وقمة الأدب من الخضر، قال تعالى : " أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ
سَفِينَةٍ غَصْباً" ، مع أن الله عز وجل هو الذي أعلم الخضر وأمره بأن يعيب السفينة ؛ حتى لا يأخذها هذا الملك الظالم الذي يأخذ كل سفينة صالحة للسير في الماء غصبا وعدوانا رغم أنف أهلها .
ومع أن الله عز وجل هو الذي أراد الخضر أن يعيب السفينة ، ولكن من عظيم أدب الخضر أن نسب العيب إلى نفسه ولم ينسبه إلى الله عز وجل : " فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا "
إنها بالفعل عبقرية الأدب .
ما أحوجنا وأحوج أمتنا والناس جميعا إلى هذا الأدب مع الله ، أدب " فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا " .
سبحانك ربي الخير كله بيديك ، والشر ليس إليك .