اقترن اسم الإعلامي اللبناني علي جابر بثقافة الفضائيات التي انطلقت في العالم العربي في التسعينات من القرن الماضي، فمن المعروف عنه
انه «الأب المؤسس» لتلفزيون «المستقبل» بنجومه وبرامجه التي أصبحت جزءا من بيوت المشاهدين العرب من المحيط إلى الخليج لفترة تزيد عن الـ 10سنوات، وهو اليوم يعيد الكرة مع تلفزيون «دبي» بعد أن ساهم في
«المهمة المستحيلة» في اخراج القناة من عباءتها الحكومية وإلباسها كسوة أكثر عصرية وقربا إلى الناس لتنافس الفضائيات التجارية الأخرى بشراسة، وذلك في فترة قياسية ودون أن توقف القناة بثها. وقبل فترة ساهم
جابر في اطلاق قناة شقيقة لـ«دبي» هي قناة «وان» التي تبث البرامج الترفيهية الانجليزية، وهو يستعد الآن أيضاً لإطلاق قناتين جديدتين شقيقتين لـ«دبي». إلى ذلك كان علي جابر، الذي درس الإعلام ودرّسه، وراء
مشروع أول محطة شبابية في العالم العربي انطلقت قبل سنوات تحت اسم «زين»، قبل أن تقرر إدارة «المستقبل» ايقافها وتحويلها إلى قناة لعرض الـ«فيديو كليب». «الشرق الأوسط» التقت بجابر وتحدثت إليه عن أسباب
مغادرته لـ«المستقبل»، الذي كان يشغل منصب مديره التنفيذي، وعن تجربته وما تعلمه عن الإعلام العربي التلفزيوني، وفيما يلي نص الحوار:
* بلا مجاملة، لقد استطعت حقاً احداث ثورة في قناة «دبي»، هل تعتبر أنك استطعت تحقيق المعادلة الصعبة بجعل فضائية حكومية ترتدي ثوباً تجارياً بنجاح؟ ـ لست أنا من أحدث الثورة، القيمون على المحطة هم من فعل
ذلك، أنا كنت مجرد أداة. فالشيخ محمد بن راشد والمجموعة التي تقف وراء نهضة دبي، قرروا أن الإعلام يجب أن يماشي ما يحدث فيها، أنا كنت موجود حولهم وصديق لهم، راقبوا عملي ولاحظوا ما استطيع فعله فقرروا أنني
قد أكون الشخص المناسب، وعرضوا علي ان كنت استطيع مساعدتهم.
* ولكن كيف فعلتها؟ - لم يكن الأمر سهلاً، فقد كان أشبه بإصلاح طائرة وهي لا تزال تحلق في السماء، أي أن نصلح المحرك، نغير العفش، الاتيان بمضيفات جديدات، وشكل جديد، من دون أن نوقف الطائرة. كما واجهنا
تحدياً في تأهيل الموظفين الموجودين والمعتادين على 30 عاماً من العمل بطريقة حكومية بيروقراطية، للعمل على أساس قطاع خاص. والنقطة الأهم هي انه لا مجال للاستغناء عن العامل الابداعي، القدرة على الابداع هي
الأساس لكل شيء، وما استطعنا فعله في «دبي» هو اننا استطعنا الخروج بمنتج على الهواء أفضل بكثير مما كان عليه بنفس الميزانية التي كانت موضوعة أساساً.
* من الأمور التي كسرت فيها «دبي» القالب التقليدي للقنوات الحكومية، هو استئصال المحليات من نشرة الأخبار ووضعها في نشرة خاصة بها، ولكن السؤال هل لذلك علاقة في كون مركز الأخبار موجوداً داخل «مدينة دبي
للاعلام»، فيما بقية التلفزيون لا يزال في مقره القديم خارجها؟ ـ خطتنا أن ننقل قناة «دبي» بالكامل إلى مدينة الإعلام، ولكن على مراحل. والسبب في ذلك هو أن الوقت الذي منح لنا بالخروج بالحلة الجديدة كان
ضيقاً لدرجة انه لم يكن يسمح بالانتقال كلياً مرة واحدة إلى مدينة الإعلام. لذلك كان علينا ان نقرر ما نفعله في البداية، فاستطعنا تجهيز استديو الأخبار الحالي في 5 أشهر فقط، على أن يتم نقل كافة
الاستديوهات والمكاتب إلى جانبه خلال سنتين.
* إذاً لم يوضع مركز الأخبار التابع لكم داخل «مدينة دبي للإعلام» بسبب كونها «منطقة إعلامية حرة» (لا تخضع للرقابة)؟ ـ أبداً، لا علاقة أبداً لذلك.
* لماذا يقول كثيرون أن لعبة علي جابر هي الـ«غرافيكس» والـ«بروموشن» التلفزيوني؟ ـ أنا أؤمن بأن التلفزيون هو عمل فني بالإضافة إلى كونه عملا متعلقا بالنظريات، اللعبة هي ليست في التصميمات أو الإعلانات
الترويجية الجيدة فقط، بل أيضا في البرامج والمحتوى الجيد. ولكن ما يظهر ويبهر الناس أكثر من غيره هي تلك الألعاب الصغيرة التي نمارسها «على الهواء» مثل الـ«غرافيكس»، وهي ليست بالأمور الجانبية بل هي
أساسية للغاية لتحديد هوية وتوجه وشخصية أي قناة، ولا تنسى أن المشاهدين العرب اليوم باتوا منفتحين على أحدث البرامج وما تقدمه المحطات العالمية، لذلك فعلينا أن نبهرهم بطريقة أو بأخرى.
* هل صحيح انك غادرت «المستقبل» بسبب خلاف طويل مع رئيس مجلس الادارة الحالي، نديم المنلا؟ ـ كلا، لم أغادر بسبب خلاف مع نديم المنلا، بل غادرت برضا وبالاتفاق مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
* لكن كثيرون يقولون انك على خلاف مع المنلا؟
ـ في كل عمل هناك خلافات ونظرات مختلفة لكيفية تنفيذ الامور.
* ولكن لماذا اخترت أن تترك طفلك، تلفزيون «المستقبل»، بعد أن ربيته لأكثر من عقد من الزمان لتذهب إلى دبي؟ ـ هناك دائماً نهاية للأشياء الجميلة، في مرحلة ما أحسست أنني وصلت لما كنت أريد أن اصل له، حققت
ما كنت أريد أن أفعله، ولم يعد هناك مجال لاعطاء المزيد في «المستقبل»، وأن الوقت قد حان للانتقال إلى طائرة أخرى، مجال آخر، تحديات وآفاق أخرى. وبالمناسبة بداية كان ذهابي إلى دبي مؤقتاً، فلم أكن قد اتخذت
القرار بالبقاء فيها نهائياً.
* والآن، هل قررت؟ ـ نعم.. أنا باق في «دبي»، لأنني اعتبر أن الحرية الابداعية هي الأساس ومفتاح النجاح لأي مشروع إعلامي وهذا ما أتمتع به هنا.
* كيف تقيم تغطية تلفزيون «المستقبل» لحادث اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟
ـ ممتازة!
* بصراحة، هل هناك فكرة متعلقة بالحدث كنت ستطبقها لو كنت لا تزال في «المستقبل؟» ـ الكثير من الأفكار، ولكن لكل شخص مساحته في الوقت الحالي لينفذ الأمور بالشكل الذي يراه مناسباً. أحياناً أتفرج على
«المستقبل» وأقول «يا ريت لو أنهم فعلوا كذا وكذا»، وأحيانا أناقش بعض أفكاري مع الأشخاص يهمهم الأمر، ولكن في النهاية.. هي لعبتهم الآن.
* هل تعتقد ان اطلاق قناة «زين» جاء قبل وقته، وما تعليقك على كثير من البرامج التي تبث حالياً على قنوات مختلفة وتشبه برنامج «دردشات؟» ـ اعتقد أن «زين» كان مشروعا جريئاً، لكنه لم يتلاق مع متطلبات ملاك
أسهمها ولا دعم الادارة في ذلك الوقت. ربما لو أطلقت الآن لكانت حظيت بقاعدة جماهيرية أعرض.
* هل تعتبر نفسك «صانع نجوم» باعتبار انك ساهمت باطلاق الكثير من الوجوه التلفزيونية التي بقيت في أو غادرت «المستقبل» أخيرا، وتعتبر اليوم جزءا من بيوت كثير من الناس؟ ـ في كل تلفزيون يجب أن يوجد ما يعرف
بـ) star system نظام النجوم)، حيث يتوجب عليك أن تخلق نجوماً خاصة بقناتك، وهذا تحد كبير لأي شخص يدير تلفزيوناً، فهناك كثير من مدراء القنوات «يغارون» من نجومهم، فمثلاً لو ذهب مدير قناة مع أحد نجومه من
المذيعين إلى مكان عام ولاقى النجم اهتماماً اكبر من المدير، فقد تجد أن المدير قد يسعى للانتقام من المذيع، بدلا من ان يسعد باعتبار انه ساهم في شعبية هذا النجم، وأن نجاحه هو نجاحهما معاً، فمقياس نجاح
الادارة الجيدة للتلفزيون هو مقياس نجاح نجومها.
* هل ترى أن جودة البرامج هبطت في«المستقبل» منذ أن غادرته؟ ـ لا أبداً، «المستقبل» لا يزال يحوي عددا من المواهب.. إلا أن الإدارة الجيدة هي الشخص أو المجموعة التي تستطيع اجتذاب المواهب، وإدارتها بشكل
جيد. وفي رأيي فإن هذا أهم شيء في الإعلام، فالعنصر البشري أهم من الأجهزة والمعدات ومن رؤوس المال، لأنه هو من يأتي بكل شيء بعد ذلك. هناك من الناس من يستطيع إدارة المواهب، وأنا بكل فخر أؤمن بأني أحدهم،
وفي المقابل هناك من الناس من يقومون بـ«تنفير» المواهب.
* بما اننا نتحدث عن «صناعة النجوم»، هل ترى بأن «موجة» تلفزيون الواقع الخاصة بصناعة نجوم الغناء في طريقها إلى الزوال؟
ـ أنا أعتقد انه لا يوجد «موجة» أو فكرة معينة تبقى صالحة للأبد، ولكن لا أوافق أبداً على فكرة أن برامج صناعة نجوم الغناء في طريقها إلى الزوال.
* لماذا إذن لم يستمر برنامج «سوبر ستار» أو «ستار أكاديمي» بنفس النجاح الذي شهده كل منهما في الموسم الأول؟ ـ يجب عليك إدارة نجاح البرامج! بعض البرامج لم يدر نجاحها بطريقة صحيحة، ولأعطي مثالأ على ذلك
هناك برنامج الـ«مليونير» بدأ نجاحه عندما نقل من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة، ولكن قناة الـ«أي بي سي» الأميركية بدلاً من أن تبثه مرة واحدة على طريقة appointment television، بثوه خمس مرات في
الأسبوع، لذلك بعد الموسم الأول والثاني لم يعد يستطيع المشاهدون تحمله، تماماً مثل أكلة الشخص المفضلة لو تناولها ثلاث مرات يوميا فإنه بعد فترة سيقرر عدم أكلها مدى الحياة. وباعتقادي ان ما جرى لكلا
البرنامجين (سوبر ستار وستار أكاديمي) هو ان الناس عانت من جرعة زائدة.
* أنت متهم بالهوس بالتفاصيل؟ لماذا هذه الصفة هي مهمة في الإعلام؟
ـ لأنّ البث التلفزيوني هو عبارة عن مجموعة من التفاصيل الصغيرة، ومن الضروري جداً الانتباه لكل منها لتحصل على صورة شاملة متينة. فحتى ربطة عنق المذيع قد تشوه الصورة الشاملة ان لم تكن لائقة، لذلك لا ندع
له اختيارها بل هناك شخص متخصص يقوم بذلك.
* ولكن هل صحيح انك كنت تحمل عصا في بدايات تلفزيون «المستقبل» وتعلم المذيعات كيف يقفن؟ ـ (ضاحكاً) عادتي أن أحمل عصا مع اقتراب كل موعد نهائي، ولكني أضرب نفسي بها.. ولا أحد آخر!
* هل صحيح انك حرمت أحد مذيعي «المستقبل» من الظهور لفترة طويلة بسبب زيادة وزنه؟ ـ طبعاً، وأنا أفعل ذلك هنا في «دبي» أيضاً! ففي النهاية عملنا متعلق بالجماليات وقربه من القلب والحواس، ولكن اذا ظهر عنصر
منفر على شاشتك، فهناك