قال الهروي ( ت 401 هـ ) في كتابه " الغريبـيـن " :" وفي الحديث أنه قال لأنجشة وهو يحدو بالنساء :" رفقاً بالقوارير ".
شبههن بها لضعف عزائمهن ، والقوارير يسرع إليها الكسر ، وكان أنجشة يحدو بهن وينشد من القريض والرجز ما فيه تشبيب ، فلم يأمن أن يصيبهن أو يقع في قلوبهن حداؤه ، فأمر بالكف عن ذلك ، وقيل : الغناء رقية
الزني ". انتهى
رد عليه أبي الفضل السلامي ( ت 550هـ ) في كتابه " التنبيه " ( ص 220 – 224 ) فقال :
هذا ما ذكره في كتابه , وهذا الذي ذكره من التفسير قوله , صلى الله عليه وسلم
" رفقا بالقوارير " ، يعنى النساء , وهن أزواجه عليه السلام , ورضي الله عنهن , لا يجوز ولا يسوغ أن يحمل قوله عليه السلام ، على ذلك , إذ قد نزه الله أزواج نبيه , صلى الله عليه وسلم , عن ذلك بقوله تعالى
: ( والطيبات للطيبين ) , قوله : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ) , وإنما أراد صلى الله عليه وسلم أن الإبل إذا سمعت الحداء أعنقت وأسرعت السير , فربما قلق وضين الهودج فوقعت إحداهن من البعير لشدة
السير فينكسر بعض أعضائها أو ينخلع .فشبههن بالقوارير لضعفهن , وأن الزجاج سريع الانكسار , ولم يرد عليه السلام ما ذكره المصنف من ضعف العزائم , معاذ الله , مما ظن فلقد أخطأ ظنه , وضعف عقله إذ حمل كلام
الرسول عليه السلام على مالا يجوز في الشرع , ولا يسوغ في العقل .
ومما يقوى ما ذكرته ويوضحه ما أخبرناه المبارك بن عبد الجبار المروزى , قراءة عليه من كتابه – ثم ساق بسنده إلى - أنس بن مالك , قال : كان البراء جيد الحداء وكان حادي الرجال , وكان أنجشه يحدو بالنساء ,
فحدا ذات يوم فأعنقت الابل فقال النبى صلى الله عليه وسلم , " رويدك يا أنجشة , رويدك سوقك بالقوارير "
وأخبرنا ابنا العم , عبدالرحمن بن احمد – ثم ساقه بسنده إلى - أنس قال : " كان رجل يسوق بأمهات المؤمنين , يقال له أنجشه , فاشتد في السياقة , فقال له رسول الله , صلى الله عليه وسلم : " يا أنجشه , رويدك ،
سوقك بالقوارير "
أخبرنا أبو الحسين بن الحمامى , قراءة عليه , قال : أنبأ أبو الحسن بن الحمامى , - بسنده – عن أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان في سير وكان حاد يحدو بنسائه أو سائق , قال : وكان نساؤه يتقدمن
بين يديه فقال : " يا أنجشة ويحك أرفق بالقوارير "
فهذا الحديث يبين ما قلت من أن النبى صلى الله عليه وسلم , خشى على النساء أن يقعن من شدة السير من هوادجهن فتنكسر أعضاؤهن , وأمره أن يرفق بهن في السوق , وشبههن لضعفهن بالقوارير مجازاً .
ولم تكن الحداة على عهد النبى صلى الله عليه وسلم , يحدون بالتشبيب كما ذكر هذا المؤلف , فقد حفظ ذلك ونقل في مغازيه وحجه عليه السلام , فمن ذلك ما ذكره أن عامر بن الأكوع كان يحدو بهم في طريق خيبر , وقد
امره النبى عليه السلام بذلك في تلك الفترة فقال :
والله لولا الله ما أهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
ومن ذلك قول عبدالله بن رواحة في يوم فتح مكة , وقد حدا بهم :
خلوا بنى الكفار عن سبيله يارب إنى مؤمن بقيله
نحن ضربناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
ومن ذلك قول ذى البجادين وهو يحدو بهم أيضا في غزوة أخرى
إليك تغدو قلقا وضينها مخالفا دين النصارى دينها
معترضا في بطنها جنينها
في أشباه لهذا كثيرة , ولم يكونوا يحدون بالتشبيب ولا بالنسيب , ولا ينشدون الشعر بألحان الغناء التى أحدثها المخنثون ، بل كان إنشادهم للشعر كالنصب للركبان ودعاء الرعيان وطريقة العرب العربان لا تخليع
الشعر كفعل الفساق المجان فكيف يظن أن ذلك كان على عهد النبى عليه السلام وصحابته الأعيان الذين أثنى الله عليهم في القرأن ونزههم من كل دنس ولغو وطغيان وكذلك أزواجه المطهرات المبرآت من كل إفك وبهتان ؟
فكيف يجوز لمسلم أن يظن بهن رضوان الله عليهن أنهن يملن الى سماع الغناء والتشبيب بالنساء وقد ميزهن الله تعالى على سائر نساء العالمين بقوله تعالى ( يا نساء النبى لستن كأحد من النساء ) وقد كان فيهن من
تحفظ الاشعار والقصائد الطوال مثل عائشه وزينب وأم سلمه رضى الله عنهن ؟ قالت عائشة: كنت أنشد النبى صلى الله عليه وسلم الشعر حتى يزبب شدقاى ، ولقد أنشدته يوما ألف بيت للبيد بن ربيعة . ولم يغيرهن حفظ
الشعر فكيف سماعه . فهذا خطأ ممن يحمل قول النبى عليه السلام على هذا المعنى الركيك ويقول فيه " الغناء رقيه الزنى " لو قيل هذا في حق ازواج المؤمنين كان قبيحاً لا يجوز ان ينطق به ، ولا يعتقد في المحصنات
المؤمنات أنهن إذا سمعن الغناء كان داعياً لهن إلى الزنى فمعتقد ذلك فيهن آثمٌ كاذبٌ يجب عليه في ذلك إن صرح به الحد، فكيف في حق أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ، ورضى عنهن ، وهن المنزهات الطاهرات المبرآت
من كل دنس وعيب وشين وريب ، إن أعتقد فيهن ذلك كان كافراً لقوله تعالى (( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين )) فهذا من المؤلف محمول على السهو والغفله ... وإن قصد إلى هذا التفسير عمد منه
... فسق وضل وخسر وذل عفى الله عنا وعنه " انتهى.
فتأمل ،،،
والله ولي التوفيق ،،،