خالد عبد المنعم الرفاعي
فإن صدقة المرأة من مال زوجها تختلف باختلاف عادات البلاد، وباختلاف حال الزوج من مسامحته ورضاه بذلك أو كراهته له، وباختلاف الحال في الشيء الْمُنْفَق بين أن يكون شيئًا يسيرًا يُتسامح به، وبين أن يكون له
خطر في نفس الزوج يبخل بمثله، وبين أن يكون ذلك رطبًا يُخشى فساده إن تأخر، وبين أن يكون يُدَّخر ولا يخشى عليه الفساد.
والأصل أنه لا يحل للزوجة أن تأخذ من مال زوجها شيئاً إلا بإذنه، ولو كان بغرض الصدقة؛ لما (روى أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجوز لامرأة عَطِيَّةٌ
إلا بإذن زوجها"، وعن أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنفق امرأة من بيت زوجها إلا بإذن زوجها. قيل: يا رسول الله، ولا الطعام؟ قال: ذلك أفضل أموالنا" (رواه أحمد وأبو داود
والترمذي).
وقد اختلف السلف في صدقة المرأة من مال زوجها:
- فمنهم مَن أجاز صدقة المرأة بغير إذن زوجها، لكن في الشيء اليسير، الذي لا يؤبه له، ولا يظهر به النقصان، وما لايكون إسرافًا في العادة.
- ومنهم من حمله على إذن الزوج، ولو بطريق الإجمال؛ وهو اختيار البخاري. ومنهم من قال: إذا كان طعامًا رطبًا يُخشى فساده إن تأخر جاز لها ذلك بغير إذنه، وإن كان يُدَّخر ولا يخشى عليه الفساد لم يجز لها
ذلك. واتفقوا على التقييد بعدم الإفساد.
والصحيح -والله أعلم- أنه لا تجوز الصدقة من مال الزوج بغير إذنه، إلا في الشيء اليسير الذي جرت العادة بالتسامح فيه؛ كيسير الطعام والشراب والخبز، والدراهم القليلة؛ لما في (الصحيحين) عن عائشة قالت: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، كان لها أجرها، وله مثله بما اكتسب، ولها بما أنفقت، وللخازن مثل ذلك، من غير أن ينتقص من أجورهم شيئاً".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أنفقت من كسبه من غير أمره، فإن نصف أجره له" (متفق عليه)، قال النووي رحمه الله: "فمعناه: من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين، ويكون معها
إذن عام سابق، متناول لهذا القدر وغيره، وذلك الإذن الذي قد أوَّلناه سابقاً، إما بالصريح، وإما بالعرف، ولابد من هذا التأويل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الأجر مناصفة، وفي (رواية أبي داود): ((فلها نصف
أجره))، ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح، ولا معروف من العرف؛ فلا أجر لها؛ بل عليها وِزْرٌ؛ فتعيَّن تأويله.
واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير، يُعلم رضا المالك به في العادة، فإن زاد على المتعارف، لم يجز، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة"؛ فأشار صلى الله عليه
وسلم إلى أنه قدر يُعلم رضا الزوج به في العادة.
واعلم أن المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن: النفقة على عيال صاحب المال، وغلمانه، ومصالحه، وقاصديه؛ من ضيف وابن سبيل ونحوهما، وكذلك صدقتهم المأذون فيها بالصريح أو العرف".اهـ.
وعليه: فلا يجوز لكِ التصدق من مصروف البيت، ما دام الزوج لا يعرف، ومن ثم لم يأذن، إلا أن تكون الصدقة يسيرة -في العادة- أو تعلمين من حاله أنه يأذن، والله أعلم.
منقول من موقع الآلوكة