الأقصر.. مدينة المائة باب
الأربعاء, 22 أبريل 2009 15:32 الأقصر -صالح البيضاني
إرسال إلى صديق طباعة PDF
إنها المدينة التي تعيش في التاريخ ويعيش فيها التاريخ حتى اليوم سبعة الآف سنة من الحضارة مازلت بكامل هيئتها..تفتح ذراعيها للقادمين من أركان الأرض الأربعة ليروا إحدى العجائب التي قاومت الاندثار عبر حقب
التاريخ المتعاقبة وظلت شامخة ترمق العصور المختلفة ..
هذه هي الأقصر أكبر متحف مفتوح في العالم وحاضنة ثلث آثار العالم على الرغم من كونها قرية في صعيد مصر، إلا أنها تعد من أشهر المدن في العالم نظرا لطابعها الأثرى والحضاري ولأهميتها السياحية التي جعلتها
محل للراعية الخاصة التي تحظى بها دوما حيث تم تقسيمها إلى خمسة أقسام هي العواميه ـ الكرنك القديم ـ الكرنك الجديد ـ منشاة العمارى ـ القرنه وذلك لتسهيل مهمة الحفاظ على طابعها الخاص.
وقد كانت مدينة الأقصر في مراحل مختلفة من التاريخ المصري القديم عاصمة لمصر القديمة حتى بداية الأسرة السادسة الفرعونية "3000ـ2100 ق.م" وقد أطلقت عليها العديد من الأسماء خلال الحقب التاريخية المتعاقبة
وهي الأسماء التي عكست عظم تلك المدينة وروعة عمرانها وما تحويه من آثار عملاقة حيث أطلق عليها مدينة المائة باب، ومدينة الشمس، ومدينة النور، ومدينة الصولجان، حتى استقرت على اسمها الحالي الذي أطلق عليها
بعد الفتح الإسلامي لمصر الأقصر، جمع قصر.
وتعد المدينة اليوم من أكثر مدن العالم جذبا للسياح حيث تستقر فيها مجموعة من أهم وأشهر آثار العالم مثل معابدها الذائعة الصيت كمعبد الأقصر ومعبد الكرنك، ومعبد حتشبسوت، ومعبد الرمسيوم، ومعبد سيتي الأول
بالقرنة، وتضم المدينة بين جنباتها أهم المقابر في التاريخ الفرعوني مثل مقابر وادي الملوك التي تم العثور فيها على مقابر أشهر ملوك الفراعنة كمقابر الملك توت عنخ آمون، ومقبرة سيتي الأول، ومقبرة رمسيس
الثالث، ومقبرة رمسيس السادس ومقبرة حور محب. كما يوجد غربي الأقصر مقابر وادي الملكات والتي تحوي مقبرة الملكة نفرتاري.
وإضافة إلى المعابد والمقابر القديمة التي كانت تحظى بمكانة خاصة وطقوس سرية في عهد فراعنة مصر تمتلئ جنبات مدينة الأقصر بالعديد من الشواهد التاريخية المهمة كالتماثيل العملاقة ومن أشهرها تمثال ممنون،
والى جانب كونها متحف كبير ومفتوح تضم المدينة العديد من المتاحف والمناطق التي يقصدها السياح والتي بلغ عددها أكثر من 800 موقع أثري.
وقد تم في العصور القديمة تقسيم مدينة الأقصر إلى شطرين أحدهما شرقي والآخر غربي يفصلهما نهر النيل حيث كان الجزء الشرقي من المدينة يطلق عليه مدينة الأحياء نظرا لاحتوائه على المعابد الدينية وقصور الملوك
ومساكن عامة الشعب وكان يطلق على الجزء الغربي مدينة الأموات والذي يضم المقابر والمعابد.
وقد مرت المدينة بالعديد من المراحل عبر التاريخ إلا أنها عاشت أزهى عصورها أواخر القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد، عندما تمكن أمراء المدينة التي كانت تسمى طيبة حينها من صد هجمات الهكسوس وتوحيد كامل
الأراضي المصرية حيث تحولت المدينة الى عاصمة لمصر القديمة لما يزيد على الأربعة قرون..
وقد ذكرت حالة العظمة التي عاشتها المدينة في تلك الفترة في العديد من المصادر القديمة حيث ذكرها على سبيل المثال الشاعر اليوناني هوميروس في النشيد التاسع من الالياذة... حيث قال عنها " هناك في طيبة
المصرية حيث تلمع أكوام الذهب، طيبه ذات المائة باب، حيث يمر في مشية عسكرية، أربعمائة من الرجال بخيلهم ومركباتهم، من كل باب من أبوابها الضخمة".
اكتشافات مذهلة
إضافة إلى فك رموز الهيروغليفية على يد العالم الفرنسي شامبليون يعد اكتشاف مقبرة الملك الفرعوني "توت عنخ آمون" حدثا محوريا في تاريخ مدينة الأقصر حيث تحتفل المدينة بعيدها القومي في الرابع من شهر نوفمبر
من كل عام، وهو التاريخ الذي يصادف ذكرى اكتشاف مقبرة الملك "توت عنخ آمون" احد أبرز ملوك الأسرة 18 والتي حكمت مصر خلال الفترة من 1347 ـ 1336 ق. م . على يد الاثرى الانجليزي هاورد كارتر حيث تم اكتشاف
المقبرة في 4/11/1922 كاملة المحتويات لم تعبث بها أيدى لصوص القبور على خلاف الكثير من المقابر التي تم نبشها والعبث بمحتوياتها من قبل لصوص ومهربي الآثار الذين كانوا دائما يتواجدون في الأقصر التي كانت
تحظى بقداسة خاصة عند قدماء المصريين الذين شيدوا بها العديد من المعابد الأكثر قداسة بالنسبة إليهم مثل معبد الأقصر 1405 – 1367 ق.م الذي خصص لعبادة آمون رع وموت وخونسو، وهي الأرباب التي يطلق عليها أيضا
لقب الثالوث الطيبي "ثالوث طيبة"، ويحتوي المعبد على عدد من المباني التي شيدها الملكان أمنحوتب الثالث - من الأسرة الثامنة عشرة، ورمسيس الثاني - من الأسرة التاسعة عشر.
ولا يعد لصوص الآثار هم المسؤولون فقط عن طمس بعض معالم المدينة حيث كان للصراعات بين أسر وأفراد العائلات الفرعونية المالكة يد في محو آثار سابقيهم فعلى سبيل المثال تم تدمير المقصورة الثلاثية في معبد
الأقصر التي كانت قد شيدت في عهد الملكة حتشبسوت والملك تحتمس الثالث من الأسرة الثامنة عشرة؛ ثم أعيد بناؤها في عهد الملك رمسيس الثاني..
كما قام عدد من الملوك في فترات لاحقة بتغيير بعض النقوش الجدارية، ومن أمثلتها مشاهد عيد "أوبت" من عهدي توت عنخ آمون وحور محب؛ وكذلك مشاهد مقصورة المركب المقدس في عهد الإسكندر الأكبر.
معابد وطقوس
ويرجع تاريخ معظم المنشآت القائمة إلى الآن في مدينة الأقصر إلى عهد الأسرة الثامنة عشرة التي برز فيها عدد من الملوك مثل الملك "أمنحوتب "أوأمنحتب" الثالث" الذي ينسب إليه معبد الأقصر، كما شاركه عدد من
الملوك في بناء المعبد والإضافة عليه حيث أجرى الملك "رمسيس الثاني" توسعات في المعبد فقد أضاف الأجزاء الواقعة أمام معبد "أمنحوتب".
وكذلك "أعاد استخدام صفي أساطين الرواق، وهما نقطة وصول طريق تماثيل "أبو الهول" التي تربط معبد الأقصر بمعبد الكرنك، للربط بين فناء "أمنحوتب الثالث"، وفناء أمامي جديد تكتنفه الصُفات. وشيد كذلك صرحاً
شامخاً ذا برجين على جانبيه مسلتان، وستة تماثيل ضخمة لم يبق منها غير تمثالين، أحدهما جالس والآخر واقف في مواجهة طريق تماثيل "أبو الهول" المتجه إلى الكرنك.
والمؤسف أن المسلة الغربية نُقلت إلى مدينة باريس لتزين ميدان "الكونكورد"، وذلك عندما أهداها "محمد على باشا" إلى فرنسا عام 1836. ويمكن رؤية قاعدتها في مكانها إلى الآن وطولها 27 متراً تقريباً. وبسبب
توسعات الملك "رمسيس"، حدث تغير بعض الشيء في محور المعبد".
كما سجل "توت عنخ آمون" مناظر موكب "عيد أوبت" على الجدران المحيطة بصفى أساطين رواق الطواف، وكذلك رحلة "آمون" السنوية التي تنتهي عند الأقصر. وعندما زار "الإسكندر الأكبر" مصر، أراد أن يتقرب إلى آلهة
"طيبة" فقام بتشييد مقصورة للإله "آمون" وسط قاعة الهيكل بالمعبد.
وإلى جانب الكثير من العابد في الأقصر يعد معبد الكرنك من أكبر وأهم المعابد المصرية القديمة وهو كما يقول المتخصصون في التاريخ المصري القديم، كان المعبد المخصص للإله آمون ويعود الفضل في بنائه للفرعون
سيزوستريس الأول الذي شرع في بنائه ليتم ذلك البناء الملك رمسيس الثاني.
وتعود شهرة ومكانة معبد الكرنك إلى تكونه من عدد من المعابد المتعددة التي بنيت بدايةً من الأسرة الـ11 حوالي في العام 2134 ق.م.. وتقع أمام معبد الكرنك مباشرة البحيرة المقدسة التي أنشأها ملوك الفراعنة
وكانوا يقيمون حولها الاحتفالات الرسمية والدينية الهامة التي كانت تزخر بها حضارة مصر الفرعونية.