بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } (الحجرات :6)
تفسير هذه الآية الكريمة ,,,,,,,,,,,
قال سبحانه : ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ﴾ النبأ : هو الخبر, فإذا جاءنا فاسق بنبأ ماذا نفعل؟
قال سبحانه: ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ بين الله وجوب التبيُّن من الأخبار حال ورودها من الفاسق وذلك لأن الأحوال إما قبول الخبر، أو رد الخبر، أو التثبت فيه ، هذه هي الأحوال الثلاثة بالنسبة للإنسان إذا جاءته
أخبار , هذا تأديب من الله لعباده إذا جاءهم خبر من الفاسق بأن لا يتسرعوا. وفي قراءة أخرى: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَثَبَّتوا﴾ ولكن لماذا نتثبت؟ أي أمرناكم أن تتثبتوا في خبر الفاسق حتى لا
تصيبوا قوماً وأنتم تجهلون أحوالهم فيقع ما يقع نتيجة هذا التسرع فتصبحوا في حسرة وندامة على تعجلكم في هذا الأمر.
فحينئذ هذا الأدب لابد أن يلتزم به الإنسان وألاّ يتسرع في قبول الأخبار ، وإذا نظرنا إلى أحوال الناس اليوم وجدنا الكثير منهم يطير بالخبر من أي إنسان فتراه يقول فيه كذا وكذا فيأخذ الخبر على أنه صدق ثم
يزداد الأمر سوءاً إذا قـام الإنسان بنشر خبـر الفاسـق , فقد تندم إذا عملت بخبـر الفاسـق.
ذكر القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية فوائد منها:-
دليل على فساد قول من قال ..إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجُنحة ..لان الله تعالى أمر بالتثبت قبل قبول القول, ولا معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم, فان حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه
بجهالة
قال المراغى رحمه الله تعالى ....بعد ذكر الآية:-
أي يا أيها الذين امنوا إذا جاءكم الفاسق بأي نبإ فتوفقوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا على قوله ,,,فان من لا يبالى بالفسق فهو أجدر أن لا يبالى بالكذب ولا يتاحاما.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطى رحمه الله تعالى:-
وقد دلت هذه الآية في سورة الحجرات على أمرين
الأول منها /إن الفاسق إن جاء بنبأٍ التمكن من معرفة حقيقته ..
الثاني/ فانه يجب التثبت في ما قاله الفاسق حق أم كذب.
قال السعدى رحمه الله:-
وهذا أيضا من الآداب التي على أولي الألباب أن يتأدبوا بها، التأدب بها واستعمالها وهو انه إذا اخبرهم فاسق بنبإ أي بخبر أن يتثبتوا في خبره ولا يأخذوه مجردا فان في ذلك خطر كبير.
ووقوع في الإثم.
يقول ابن قدامة رحمه الله: فليس لك أن تظن بالمسلم شرًا إلا إذا انكشف أمر لا يحتمل التأويل، فإن أخبرك بذلك عدل، فمال قلبك إلى تصديقه، كنت معذورًا... ولكن أشار إلى قيد مهم فقال: بل ينبغي أن تبحث هل
بينهما عداوة وحسد؟.
يقول الغزالي – رحمه الله -: ليس لك أن تعتقد في غيرك سوءًا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل.
ويروى أن سليمان بن عبد الملك قال لرجل: بلغني أنك وقعت فيَّ وقلت كذا وكذا. فقال الرجل: ما فعلت. فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق. فقال الرجل: لا يكون النمام صادقًا. فقال سليمان: صدقت.. اذهب
بسلام.
والفطن من يميز بين خبر الفاسق وخبر العدل، ومن يفرق بين خبر عدل عن ندٍ له، أو عمن يحمل له حقدًا، وبين شهادة العدل المبرأة من حظ النفس، ومن يميز بين خبر العدل وظن العدل، والظن لا يغني شيئًا، ومن يفرق
بين خبرٍ دافعه التقوى، وخبر غرضه الفضيحة أو التشهير.
والذي لم يتخلق بخلق (التثبت) تجده مبتلى بالحكم على المقاصد والنوايا والقلوب، وذلك مخالف لأصول التثبت.
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد ثنا محمد بن العباس المؤدب ثنا يحيى بن أيوب ثنا إسماعيل بن جعفر قال أخبرني ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن نعيم
ثنا قتيبة بن سعيد ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم
القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى عنه ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في
النار لفظ حديثهما سواء إلا أن في رواية بن عبدان فيقضى هذا من حسناته) رواه مسلم عن قتيبة بن سعيد وغيره.