مؤتمر الصومام 20 اوت 1956
بعد مرور حوالي سنتين على اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، وبعدما تمكنت من التوسع، بات من الضروري تحديد إستراتيجية سياسية، عسكرية عامة لجبهة التحرير الوطني تهدف إلى وضع منهجا تحدد فيه بوضوح مسارها،
وتقسيم من خلاله هذه المسيرة، لهذا السبب استدعي قادة الثورة لعقد مؤتمر بوادي الصومام يوم 20 أوت1956،الذي تمكنوا من خلاله تحديد الأهداف السياسية للثورة وتنظيمها تنظيما شاملا في كل المجالات السياسية
منها والعسكرية والاجتماعية.
المبحث الأول: ظروف انعقاد المؤتمر:
يعتبر مؤتمر الصومام من أبرز الأحداث التاريخية للثورة الجزائرية، ومنعطفا حاسما في تاريخ جبهة التحرير الوطني، وقد جاء كنتيجة حتمية للظروف التي أحاطت بالثورة والمتمثلة في جملة التطورات و الانتصارات
السياسية والعسكرية التي حققها من تاريخ اندلاعها في أول نوفمبر1954 إلى غاية انعقاد المؤتمر([1]).
فكانت النتائج المحققة خلال هجومات 20 أوت 1955 دافعا قويا للمسؤولين لمحاولة التعرف على حقيقة، الوضع بعد ذلك، وتقييمه منذ انطلاقة الثورة وتوضيح الرؤى المستقبلية([2]).
إضافة إلى هذا ه*** جملة أخرى من العوامل ساعدت على عقد المؤتمر تمثلت في صعوبة الاتصال بين مختلف قيادات جيش التحرير الوطني حيث أن مناطق الكفاح قبل انعقاد مؤتمر الصومام كانت لها قيادات خاصة، أي لا يربط
بينها إلا الاتجاه الثوري العام. ولم يكن على رأسها قيادة موحدة وهذا ما أدى على جعل المناطق شبه معزولة عن بعضها البعض. كما كان ضعف التنسيق في الداخل مع الخارج بشكل تهديدا خطيرا ونقطة ضعف بمكن للعدو أن
ينفذ منها إلى قلب الثورة، وكذلك نقص الإمكانيات المادية المتمثلة في نقص المال لشراء السلاح وضعف الإستراتيجية التي أدت إلى ضعف التكوين السياسي للفرق المسلحة حيث يكاد يكون معدوما([3]).
وخاصة بعد المجهودات التي بذلتها فرنسا كمحاولة منها لخنق الثورة في مهدها، لذلك فإن هذا المؤتمر أصبح ملحة وذلك أملا في تحقيق الأهداف التالية:
1-تقييم المرحلة السابقة من عمر الثورة، بكل إيجابياتها وسلبياتها قصد إزالة السلبيات، وتدعيم وتطوير ما هو إيجابي.
2-وضع إستراتيجية تنظيمية موحدة وشاملة ودائمة للعمل الثوري على الصعيدين الداخلي والخارجي.
3-الخروج بتنظيم جديد ومحكم في الميدان السياسي والعسكري والإداري وكذا الاجتماعي.
4-إيصال صدى الثورة الجزائرية إلى الرأي العام العالمي.
إصدار وثيقة سياسية عملية للثورة.
توحيد المواقف بالنسبة للقضايا المطروحة على الساحة الوطنية آنذاك([4]) وعلى هذا الأساس سعى قادة الثورة إلى تحضير اجتماع وطني لدراسة أوضاع الثورة. وتشريع ميثاق سياسي يعمل على إيجاد قيادة مركزية موحدة
للثورة تقوم بتسيير المقاومة.
المطلب الأول: عقد المؤتمر.
إن للظروف السالفة الذكر جعلت القيادة العليا تتخذ القرار بعقد مؤتمر وطني فيه قادة جبهة التحرير وجيش التحرير لوضع قاعدة أساسية تقوم عليها إستراتيجية العمل الثوري. وفي هذا الصدد يقول المجاهد ابن
طوبال:"قررنا تنظيم ملتقى أو ندوة وطنية... للمناقشة وبدا ذلك منذ شهر أفريل 1956 في تنظيم المؤتمر"([5]).
ومنذ ذلك التاريخ شره القادة في الإعداد للمؤتمر، فجرت اتصالات عديدة بين مسؤولي المناطق وقادتها،حيث قام "زيغود يوسف" قائد المنطقة الثانية " الشمال القسنطيني" ببعث رسائل إلى قادة المناطق يقترح فيها عقد
مؤتمر وطني بهدف دراسة التجربة الثورية وتوحيد العمل السياسي والعسكري، ووضع إستراتيجية جديدة للثورة([6])، فتلقى زيغود جوابا بالموافقة لكل من "كريم بلقاسم" قائد المنطقة الثالثة و"أعمر أو عمران" قائد
المنطقة الرابعة ونائبه "عبان رمضان" بواسطة الطالب " رشيد عمارة " ([7])، وكانت الفكرة متجهة إلى عقده في المنطقة الثانية، فأعطى زيغود تعليماته بالإعداد لاحتضان المؤتمر، وتمت الموافقة على المكان المسمى
" بوزعرور" في شبه جزيرة القل، كمقر لاحتضان المؤتمر لحصانته وانطلقت الأشغال بتوفير الأمن وإعداد التموين.
لكن صعوبات وصول نبأ استشهاد "بن بولعيد" اثر على عملية التحضير إذ أصبحت الظروف غير مواتية لعقد المؤتمر ه***، وبعد ذلك تم اقتراح الأوراس وجبال سوق أهراس، ثم الأخضرية الواقعة بالمنطقة الرابعة، وحدد يوم
21 جويلية 1956لعقد المؤتمر، لكن تسرب الأخبار عن مكان وزمان عقد المؤتمر لسلطات الفرنسية أدى بالقيادة الثورية إلى إلغائه([8]).
وبعد مداولات عديدة تم الاتفاق على عقد المؤتمر في منطقة وادي الصومام، حيث مركز الولاية الثالثة وبالضبط في قرية افري أوزلاقن([9]) ولم يكن اختيار هذا المكان عشوائيا وإنما نتيجة لمجموعة من الأسباب يمكن
إجمالها فيما يلي:
1- وجود المكان في منطقة حصينة، ومحاذية لغابة أكفادو الكثيفة والتي لها اتصال بغابة جرجرة وجبالها.
2- كان دوار أوزلاقن في تلك الفترة منطقة هادئة، لمتحدث فيها أية عملية حربية، لمدة تسعة أشهر، مما جعل العدو يعتقد بأنها منطقة آمنة وسالمة ولا علاقة لها بالثورة.
3- بعد الحملة التي قام بها الجنرال ديغول، أعلن العدو أنه قد سيطر على المنطقة وأنها أصبحت تحت سلطته. وأنها باتت خالية من الثورة، لذلك أراد الثوار إثبات العكس وذلك بعقد المؤتمر في تلك الجهة.
- أما عن سبب اختيار 20 أوت كتاريخ لعقد المؤتمر فيعود إلى كونه يوافق ثلاث ذكريات هامة:
أ- انتفاضة 20 أوت 1955 التي عمت منطقة الشمال القسنطيني.
ب- نفي محمد الخامس ملك المغرب يوم 20 أوت 1952 إلى جزيرة مدغشقر بصفته ممثل الفكر التقدمي الحر في مراكش يومئذ.
ج- قرب ذكرى انعقاد دورة هيئة الأمم المتحدة في أكتوبر 1955 التي دخلتها القضية الجزائرية رغما عن فرنسا([10]).
بعد أن أتمت قيادة المنطقة الثالثة كافة الترتيبات الأمنية والاستعدادات المطلوبة لعقد المؤتمر، انطلقت أشغاله يوم 20 أوت واستمرت إلى غاية 5 سبتمبر 1956 في بيت المدعو "مخلوف" وقد حضر المؤتمر كل من:
-محمد العربي بن مهيدي: (ممثل المنطقة الخامسة) رئيس الجلسة.
-رمضان عبان: (ممثل جبهة التحرير الوطني) كاتب الجلسة.
-عمر أوعمران: (ممثل المنطقة الرابعة).
-يوسف زيغود: (ممثل المنطقة الثانية).
-عبد الله بن طوبال: (نائب زيغود يوسف).
وتغيب عن حضور المؤتمر ممثلي المنطقة الأولى "الأوراس" بسبب استشهاد القائد" مصطفى بن بولعيد" في 25 مارس 1956، غير أن بعض المصادر تذكر بأن ه*** وفدين قدما من منطقة الأوراس للمشاركة في أعمال المؤتمر
لكنهم وصلوا بعد انتهاء أشغاله([11]) بالإضافة إلى عدم حضور ممثلي المنطقة السادسة " الجنوب فيما بعد" وذلك لظروف حالت دون حضورهم المؤتمر غير أنهم بعثوا بتقريرهم([12]) وسجل كذلك عدم حضور الوفد الخارجي
الممثل لجبهة التحرير، وذلك لصعوبة الوصول إلى مكان انعقاده من جهة، وإلى كون جيش التحرير ما يزال متواجدا في كل من تونس والمغرب من جهة أخرى، كما أن البحر والجو كانا مراقبين من طرف فرنسا، ومع ذلك فقد
شاركوا في أشغال المؤتمر بصفة غير مباشرة عن طريق "محمد خيضر" الذي قدم اقتراحات باسمهم في إطار ما تمت مناقشته في المؤتمر من ناحية الخطة السياسية المراد إنتاجها([13]).
وهكذا استطاع المؤتمر استعراض حصيلة 22 شهرا من الكفاح خلال عشرة أيام مناقشة لجدول أعمال شامل كل ما يتعلق بالثورة من قضايا الساعة وآفاق المستقبل.
المطلب الثاني: جدول أعمال المؤتمر:
كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا تحت إشراف الأخوين " العربي بن مهيدي و رمضان عبان"، الذين شرحا الأسباب التي دعت إلى عقد هذا المؤتمر والمواضيع التي سيتناولها المشاركون([14]).
-كان أول تدخل من طرف زيغود يوسف، الذي قدم تعزيزا مكتوبا تعرض فيه للوضعية المادية والعسكرية للمنطقة الثانية.
-ثم قدم " كريم بلقاسم " تقرير شفهي عن الإمكانيات المادية والبشرية للمنطقة الثالثة تحدث عن أفراد الجيش، كميات الأسلحة، المصاريف...
-أما "عمر أوعمران" فقد تناول في تقريره الإمكانيات العسكرية والمادية للمنطقة الرابعة.
-وعن المنطقة الخامسة فقد ورد تقريرا للعربي بن مهيدي تناول فيه الوضعية المالية والعسكرية.
-كما أعاد عمر أوعمران تقديم تقريرا أخر عن المنطقة السادسة نيابة عن سي الشريف (علي ملاح) تناول فيه إمكانيات المنطقة- المادية وكذا العسكرية([15]).
وخلال الاجتماع طرحت النقاط المدرجة في جدول الأعمال للنقاش وتمحور حول:
1- دراسة ومناقشة تقارير المناطق التي تضمنت عرضا مفصلا عن الجوانب العسكرية والسياسية، المالية:
أ-تقرير نظامي: عن كيفية التقسيم والهيكل العام للجيش ومراكز القيادة.
ب-تقرير عسكري: عنعدد المناضلين والمجاهدين، الوحدات ونظام تركيبها والأسلحة.
ت-تقرير مالي: المداخيل، المصاريف.
ث-تقرير سياسي: عن معنويات المجاهدين والشعب.
2- القاعدة السياسية والنشرات المقررة.
3- التوحيد.
أ- توحيد النظام وتقسيم المناطق: تعيين مراكز القيادات المحلية وإجراء التغيرات على القيادات.
ب-توحيد عسكري: في الوحدات والرتب العسكرية والمنح العائلية.
ج- توحيد سياسي: المحافظون السياسيون ومهماتهم.
د- توحيد إداري: المجالس الشعبية.
4- جبهة التحرير الوطني: مبادئها وقوانينها الأساسية، تنظيمها الداخلي، والهيئات المسيرة.
5- جيش التحرير الوطني: الألفاظ المستعملة (المجاهد، المسبل، الفدائي)