تقوم البنوك بدور رئيسي وهام في كل مجالات الإقتصاد والأعمال والمال في جميع دول العالم, بما تباشره من أعمال وساطة وغيرها من التعاملات المالية التي لا غنى عنها
بالنسبة لاقتصاد أي بلد. ونستطيع ان نعرف البنك على انه منشأة مالية تتاجر بالنقود ولها غرض رئيسي هو العمل كوسيط بين رؤوس الأموال التي تسعى للبحث عن مجالات الاستثمار وبين مجالات الاستثمار التي تسعى
للبحث عن رؤوس الأموال.
فالبنوك تلعب دورا هاما في تمويل التطور الإقتصادي للبلد, إلا أن نجاحها في أداء وظيفتها الأساسية يرتبط بقدرتها على التكيف مع الأوضاع الجديدة, وتمثل العولمة وآثارها التحدي الأبرز الذي يواجه البنوك
والأجهزة المصرفية من ناحية الأداء, السياسات, النتائج والتوجهات.
نشأة وتطور الفن المصرفي
نشأة البنوك في مراحلها الأولى كمحصلة لتطور واتساع النشاط التجاري وتعدد أشكال النقود المتعامل بها, إلا أن التطورات الاقتصادية المتلاحقة دفعت نحو تطوير هذه البنوك وإيجاد نظم مصرفية معاصرة تقدم خدماتها
لمختلف القطاعات وتحتل مكانة رئيسية ضمن السياسات الاقتصادية لكل الدول.
تشير بعض الوثائق التاريخية والأثرية إلى أن عهد ظهور الفن المصرفي يرجع إلى ما قبل الميلاد وتمتد جذوره إلى العهد البابلي, الذي ظهرت فيه مجموعة من المؤسسات المصرفية التي تولت تنظيم عمليات السحب
والإيداع, كما تشير تلك الوثائق إلى أن أقدم بنك في التاريخ هو البنك الذي أنشأه "إيجيبي" الذي كان مقره في مدينة "سيبار" على شاطئ نهر الفرات وهناك من يرى أن الفن المصرفي يرجع إلى عهد الإغريق الذين ينسب
إليهم نشره بين سكان حوض البحر الأبيض المتوسط حيث أن الرومان أخذوا حرفة الصرافة من الإغريق.
غير أن التنظيم المصرفي لم يظهر إلى حيز الوجود إلا في أواخر العصور الوسطى, عندما أحيا ازدهار التجارة في المدن الإيطالية نظم المصارف وبالأخص مدن البندقية وجنوا وبرشلونة, حيث ترجع نشأة البنوك في مراحلها
الأولى إلى نشاط الصيارفة والصاغة والمرابين (القائمين على قبول الودائع), فهذه المصارف وباختلاف طبيعتها ونوعية الوظائف التي تؤديها لا تعدو أن تكون مؤسسات تتعامل في القرض أو الإئتمان, وهي نفس فكرة
الإتجار في النقود التي عرفت في القرون الوسطى بل وقبل ذلك ببعيد, فمع التوسع في التعامل بمجموعة غير متجانسة من النقود المعدنية واتساع النشاط التجاري وظهور الأسواق والتجار المتخصصين, بدأت هذه الفئة تحقق
فوائض نقدية كبيرة من عملياتها التجارية المختلفة, الأمر الذي دفعها إلى البحث عن طريقة آمنة للمحافظة على ثرواتها وتيسير معاملاتها, فلجأت إلى الصاغة والصيارفة وحتى بعض التجار الذين كانوا يتمتعون بالسمعة
الطيبة والقوة والأمانة.
وقام هؤلاء التجار بإيداع أموالهم أو ما يملكون من معادن نفيسة لدى أولئك الصاغة والصيارفة والتجار مقابل عمولة تدفع لهم نظير حفظها وحراستها, فيما كان يتحصل المودعون على شهادات (إيصالات) مثبتة فيها قيمة
ودائعهم وتتضمن تعهدا من المودع لديه برد الأمانة (الوديعة) عند طلبها من طرف المودع في الحال كما وضحت في الإيصال.
وفي بداية الأمر كانت هذه الشهادات تصدر إسمية وكان يتم تداولها عن طريق التنازل (التظهير), ولكن مع مرور الوقت وتزايد ثقة المتعاملين في المودع لديهم أصبحت هذه الشهادات شهادات لحاملها, يتم تداولها بمجرد
التسليم (دون حاجة للتنازل أو التظهير).
هذا التطور الحاصل في إصدار شهادات الإيداع سمح بتوسيع وزيادة التعامل بهذه الشهادات, مما أغنى التجار عن الذهاب إلى الصاغة والصيارفة لسحب الأموال وإيداعها كلما تم عقد صفقة تجارية, والإكتفاء بتداول هذه
الشهادات حيث تعود الأفراد على قبول إلتزامات البنوك بديلا للنقود في الوفاء بالديون, وبمرور الوقت لاحظ المودع لديهم أن قدرا ضئيلا من الشهادات التي يصدرونها يعود أصحابها لاستلام ما أودعوه, من هنا ظهرت
فكرة استغلال هذه الودائع العاطلة بإقراضها لمن يريد استثمارها, فبدأ هؤلاء الصاغة والصيارفة يقرضون من أموالهم الخاصة ومن بعض الودائع لديهم, بالإضافة إلى تحويل الودائع أو جزء منها من حساب إلى آخر وفاءً
للإلتزامات, مقابل حصولهم على فوائد أعلى من تلك التي كانوا يدفعونها ويستفيدون بالفرق.
وفي مرحلة أكثر تقدما سمح لبعض العملاء بسحب مبالغ تتجاوز في قيمتها ودائعهم وهو ما يعرف الآن بالسحب على المكشوف, غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل حدثت خطوة أخرى مؤادها أن أولئك الصاغة والصيارفة
والتجار بعد أن اتسعت أعمالهم وبدأوا يتخصصون تماما في عمليات تلقي الودائع ومنح القروض وأطلقوا على أنفسهم لقب المصارف, قاموا بخطوة جريئة مثلت ثورة في المسألة النقدية والمصرفية وهي منح قروض من ودائع ليس
لها وجود فعلي لديهم, فلقد بدأوا بالفعل يخلقون الودائع ويصنعون السيولة, ومثلت هذه الوظيفة أهم وظيفة من وظائف المصارف التجارية لدرجة أنها تعرف الآن باسم مصارف الودائع, ورغم أن هناك حدودا معينة لا
تستطيع هذه المصارف أن تتجاوزها في عملية خلق الودائع إلا أنها استطاعت بالفعل عن طريق هذه العملية خلق نقود جديدة (النقود الكتابية) وزيادة حجم وسائل الدفع الموجودة في المجتمع, وتمثل هذه النقود الجزء
الأكبر من العرض النقدي في الدول المتقدمة.
ومنذ القرن الثامن عشر أخذ عدد البنوك يزداد تدريجيا وكانت أغلبيتها مؤسسات يمتلكها أفراد وعائلات, وكانت القوانين تقضي بحماية المودعين بحيث يمكن الرجوع إلى الأموال الخاصة لأصحاب هذه البنوك في حالة
إفلاسها.
كما لعبت الثورة الصناعية دورا مهما في توسيع البنوك ونموها وكبر حجمها مما سمح لها بخدمة قطاعات إقتصادية واسعة, وتواصل التطور الذي عرفته البنوك حيث شهدت المهنة المصرفية التي تمارسها البنوك التجارية
تغيرات كبيرة في طبيعتها وأدواتها وتقنياتها, بالإضافة إلى مختلف أنواع البنوك الأخرى التي ظهرت, ولم يعد الأمر يقتصر على البنوك حيث تواجد في كل بلد من بلدان العالم مجموعة من الشركات والمؤسسات التي تتكفل
بحفظ النقود وتعبئة موارد المجتمع من الأموال وسد حاجات البلاد من مختلف أنواع الإئتمان المتفاوتة الآجال وإنشاء وسائل الدفع المتداولة بين الأفراد وهذه الشركات, وكل هذه المؤسسات تدخل ضمن إطار الجهاز
المالي والمصرفي والذي يشكل أحد أهم الآليات التي تدعم النمو الإقتصادي نظرا لارتباطه بأهم عامل في العملية الإقتصادية وهو العامل المالي.
تقبلو تحياتي