وَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَاف: مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ في الأرْضِ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ، وَكَلاَلَةُ حَدِّهِ، وَنَضِيضُ وَفْرِهِ،
وَمِنْهُمْ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ، وَالْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ، وَالْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ، قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ، وَأَوْبَقَ دِينَهُ لِحُطَام يَنْتَهِزُهُ، أَوْ مِقْنَب يَقُودُهُ، أَوْ مِنْبَر
يَفْرَعُهُ. وَلَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً، وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللهِ عِوَضاً! وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخرة، وَلاَ يَطْلُبُ الآخرة بِعَمَلِ
الدُّنْيَا، قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ، وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ، وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلأمَانَةِ وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللهِ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ
أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُؤُولَةُ نَفْسِهِ، وَانْقِطَاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ، وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ، وَلَيْسَ
مِنْ ذلِكَ في مَرَاح وَلاَ مَغْدىً.