عن صحيح مسلم أن أنسًا- رضي الله عنه- أخبر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عُمَر، كلهن في ذي القعدة إلا
التي مع حجته:
1.عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة.
2.وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة.
3.وعمرة من جعرانة، حيث قسَّم غنائم حنين في ذي القعدة.
4.وعمرة مع حجته.
من هذه الرواية عن أنس يتبين أنه عدّ عمرات النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعًا :
على أساس أن عمرة الحديبية التي صده المشركون عنها قد حُسِبت؛ فالنبي والمسلون قد نَوَوها، ثم حُوصِروا؛ فتحللوا منها، ونية المؤمن أبلغ من عمله.
والعمرة الثانية:
يُسمِّيها العلماء عمرة القضاء أو عمرة القصاص؛ فالتسمية الأولى باعتبارها قضاء عن عمرة الحديبية، والتسمية الثانية باعتبارها قصاصًا عن صد المشركين للنبي- صلى الله عليه وسلم- وصحبه- رضوان الله عليهم-
وفيها نزل قوله تعالى: "الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاص…" البقرة 194
وكان موقفًا مشهودًا حين دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون مكة بعد سبع سنين طوال، وتجمع الرجال والنساء والصبيان في مكة وتزاحموا؛ ليروا هذا النبي القائد يحيط به المهاجرون والأنصار، وأثار هذا
التجمع الحسد والبغض والغيظ لدى بعض أئمة الكفر، فخرجوا إلى الجبال حتى لا يروا هذا الموقف العظيم، وتناقل بعض المغرضين أخبارًا كاذبة عن أحوال المسلمين، وزعموا أن حُمّى يثرب وهنتهم، وأنهم أصابهم الهزال
والضعف.
فلما دخل الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم الله امرءًا أراهم اليوم من نفسه قوة.
ثم استلم الحجر الأسود وخرج يهرول ويهرول معه أصحابه، حتى إذا واراه البيت من المشركين المحدقين به واستلم الركن اليماني مشى حتى الحجر الأسود.
العمرة الثالثة:
هي عمرة الجعرانة في ذي القعدة من العام الثامن، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما فتح مكة في رمضان حدث أن جمعت قبيلة هوزان جيشا كبيرًا لمطاردة المسلمين وملاحقة النصر المؤزر الذي توج جهاد
المسلمين.
وعرف هذا اليوم في تاريخ السيرة بيوم حنين، وقصته مشهورة في القرآن والسنة.
قال الله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنودًا لم
تروها وعذب الذين كفروا، وذلك جزاء الكافرين. التوبة 25-26.
وشاهت وجوه الكفار، وغنم المسلمون غنائم كثيرة، ولما انهزم المشركون أتوا الطائف وعسكر بعضهم بأوطاس، فسار إليهم الرسول بنفسه، وحاصرهم، ثم واصل مسيرته الطاهرة المطهرة إلى الطائف، وقاتل بنفسه، وكان أول من
رمي في الإسلام بالمنجنيق، رمي به أهل الطائف، وخلال عودته عسكر بالجعرانة ومعه السبي والغنائم وحصلت عنذئذ عملية التقسيم بين المجاهدين، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ليلاً معتمرًا، فدخل مكة
وقضى عمرته ثم أصبح بين أصحابه بالجعرانة، ولذا خفيت هذه العمرة على كثير من الناس حتى أنكرها ابن عمر.
العمرة الرابعة:
هي التي أداها الرسول مع حجة الوداع.
والملاحظة على هذه العمرات للنبي صلى الله عليه وسلم :-
أنها وقعت في ذي القعدة، حتى العمرة التي كانت مع حجة الوداع، نواها في ذي القعدة وأداها في ذي الحجة، أي أنها كلها وقعت في أشهر الحج، وفي ذلك مخالفة لأهل الجاهلية الذين يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر
الفجور.
وهناك رواية عن ابن عمر يذهب فيها إلى أن النبي صلي الله عليه وسلم اعتمر واحدة في رجب، وقد أنكرها العلماء .
كما ردتها السيدة عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم عن عروة بن الزبير قال: (كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة، وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، اعتمر النبي صلى الله عليه
وسلم ـ في رجب؟ قال : نعم ، فقلت لعائشة: أي أمتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: وما يقول؟ قلت: يقول اعتمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم في رجب ، فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، لعمري ما
اعتمر في رجب، وما اعتمر من عمرة إلا وأنا معه . قال: وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم، سكت).
وقد حج الرسول عليه السلام مره واحده ط حجة الوداع" وكانت في السنة العاشره للهجرة.