يترجم مصطلح البراغماتية إلى العربية بمصطلح الذرائعية, ولكن هذه الترجمة غير دقيقة ,لأنها لاتعكس جوهر الكلمة الأجنبية, بل تقدم جزءاً
من معناها فقط. أما المصطلح العربي الأقرب إليها فهو "النفعية".
تعرف البراغماتية بأنها طريقة حل المشكلات والقضايا بواسطة وسائل عملية. وهذا التعريف وسيلة براغماتية بحد ذاته, لأنه محاولة لإخفاء جوهرها, القائم على قياس كل عمل أو شيء, أو حالة, بما تحققه من فائدة أو
ضرر, فالشيء جيد وصالح إذاكان نافعاً, وهو سيىء إذا كان ضاراً. والسؤال هنا هو من يقرر الفائدة والضرر? إنه الشخص المعني معتمداً على معاييره الخاصة كأداة لتقييم الأعمال والأشياء, ومن ثم يفقد الشيء خصائصه
الموضوعية, " مثلاً الحق يصبح نسبياً, حسب الشخص المتعامل معه, وليس حالة تحددها عوامل موضوعية", ويصبح عرضة لثقافة ومزاج ومصالح ونوعية قيم الشخص ذاته!
أصل البراغماتية
يمكن رصد المعاني المختلفة السائدة للبراغماتية في المجالين الاجتماعي والسياسي, ففي الغرب بشكل عام, يضعون البراغماتي مقابل الإيديولوجي, وكنقيض له, فحينما تقول "هذا الإنسان إيديولوجي", فإنك تقصد أنه
يتقيد بمنظومة أفكار وأهداف ثابتة تحدد مواقفه العامة سلفاً, كالوطنية والقومية والدين. مقابل هذا النمط يقال "هذا الرجل براغماتي", ويقصد بذلك أنه متحرر من كل إيديولوجيا, أو موقف مسبق, ويتصرف وفق اللحظة
أو الظرف, مستهدياً بما ينفعه ويضره هو شخصياً. لذلك فالبراغماتية, أساساً, هي منطلق فردي, وتجمع هذه المنطلقات عددياً, أي دون أن تصبح ذات مصدر جمعي واحد, لتعبر عن " مصالح مشتركة" بين أفراد توجد بينهم
اختلافات وتناقضات جوهرية وثانوية كثيرة.
وازدهار هذه الفلسفة في أمريكا يفسر وبوضوح جوهرها, فأمريكا ليست دولة ذات هوية قومية, كفرنسا وايطاليا مثلاً, بل هي ملاذ تجمعات مهاجرين, تركوا بلدانهم الأصلية من أجل الرزق, أو تم نفيهم إليها من السجون
التي اكتظت بالمجرمين, أو من الهاربين من الاضطهاد الديني, لذلك كان طبيعياً أن تختلف, بل وتتناقض, ثقافاتهم ودوافعهم, وهنا برزت أهمية وجود فلسفة تلبي رغباتهم المختلفة, فازدهرت البراغماتية لأنها تخاطب,
وتستجيب, للمصلحة الفردية وتمنحها غطاء المشروعية الذاتية.
يستخدم هذا المصطلح في السياسة, فيقال: فلان براغماتي, والحركة الفلانية حركة براغماتية, وفي أغلب الأحوال يقصد بها النفعية أو العملية...
فما هي البراغماتية?!
الأصل اللغوي للمصطلح يرجع إلى الكلمة اليونانية ]rogma وتعني (عمل) أو (مسألة علمية), ولقد استعار الرومان المصطلح واستخدموا عبارة ]rogmaticus فقصدوا بها "المتمرس" وخاصة المتمرس في المسائل
القانونية.
أما من ناحية تاريخ الفكر فالمصطلح يشير إلى تلك الحركة الفلسفية التي ظهرت في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وارتبطت بأسماء الفلاسفة الأمريكيين بيرس ووليام جيمس وجون ديوي والتي تتمركز
فلسفتها حول مقولة مؤداها:
لا يمكن التوصل إلى معاني الأفكار, ومن ثم لا يجب تفسيرها, إلا بالنظر إلى النتائج المترتبة عليها, كما أنه لا يمكن تحديد المعتقدات أو تبرير التمسك بها إلا بالأخذ في الاعتبار النتائج العملية المترتبة على
الإيمان بهذه المعتقدات,
فالحقيقة إذن ثانوية إذا ما قورنت بالممارسة العملية, ذلك أن الحقيقة وفقاً للنظرية البراغماتية ما هي إلا الحل العملي والممكن لمشكلة ما, كما أن المبرر الوحيد للإيمان بأي شيء هو أن التمسك به والعمل وفقاً
له يجعل الفرد في وضع أفضل مما لو كان إذا لم يتمسك به.
أما بصورة أوسع فالمصطلح يستخدم للإشارة إلى أي مدخل يركز بالأساس على ما يمكن عمله في الواقع لا على ما يجب عمله بالنظر إلى عالم المثاليات.....
فالبراغماتية بدلاً من أن تركز على مقدمات الأفكار فإنها تركز على النتائج المترتبة على تلك الأفكار, فهي تُوجه نحو الاهتمام بالأشياء النهائية وبالنتائج ومن ثم, هي لا تعني بالسؤال عن ماهية الشيء أو أصله
بل عن نتائجه, فتوجه الفكر نحو الحركة ونحو المستقبل.
ورغم أن البعض يؤمن أن البراغماتية ما هي إلا أحد أشكال الأمبيريقية, إلا أن البراغماتية تجد جذورها في أفكار ومذاهب متعددة مثل فكرة العقل العملي لكانط, وفي تمجيد شوبنهور للإرادة, وفي فكرة داروين أن
البقاء للأصلح, وفي النظرية النفعية التي تقيس الخير بالنظر إلى مدى نفعيته, وبالتأكيد في المفاهيم الأمبيريقية للفلاسفة الإنجليز, وكذا في طبيعة المجتمع الأمريكي الجديد.. فالبراغماتية تُعَد بحق رد الفعل
الدفاعي للمفكرين الأمريكيين تجاه الفكر الأوروبي, خاصة الفكر الألماني المغرق في الميتافيزيقا.
ولعل هذا التنوع في الأصول الفكرية لمذهب البراغماتية هو الذي جعل وضع تعريف شامل جامع لمفهوم البراغماتية مهمة صعبة للغاية, وليس أدل على ذلك من أن آرثر لوفجوي قد نجح في عام 1908 في تجميع ثلاثة عشر معنى
مختلفاً للبراغماتية بل ودلل على أن بعضها يضاد البعض الآخر.
وهذا التعدد في التعريفات وكذلك تنوعها يرجع إلى أن البراغماتية كفلسفة وجدت أنصاراً وتطبيقات لها في ميادين متنوعة للمعرفة منها العلوم الطبيعية والقانون والأدب والاجتماع والسياسة و كل ميدان يطبقها
ويفسرها من منطلق خبراته الخاصة, ولقد اعترف يابيني في كتاب قدم به المذهب إلى الفلاسفة الإيطاليين بأن البراغماتية لا يمكن تعريفها وأن أي فرد يحاول حصرها في عبارات قليلة بغرض تعريفها يكون مرتكباً لأفظع
الأشياء غير البراغماتية. ولقد حاول ثاير في كتاب يستعرض التطور التاريخي للمذهب رسم الخطوط العريضة لأهداف ومكونات البراغماتية فقرر أنها: قاعدة إجرائية لتفسير معاني بعض المفاهيم الفلسفية
والعلمية.
mنظرية في المعرفة والخبرة والواقع تؤمن بأن:
أ - الفكر والمعرفة نماذج مطردة التطور اجتماعياً وبيولوجياً وأن ذلك يتم عن طريق التوافق والتأقلم.
ب- الحقيقة متغيرة والفكر ما هو إلا مرشد لكيفية تحقيق المصالح والوصول إلى الأهداف.
ج¯- المعرفة بكل أنواعها ما هي إلا عملية سلوكية تقييمية للأوضاع المستقبلية وأن التفكير يهدف عن طريق التجربة إلى التنظيم والتخطيط والتحكم في الخبرات المستقبلية.
أو توجه فلسفي واسع تجاه إدراكنا لماهية الخبرة وأهميتها للمعرفة. ولكن حتى هذا التعريف العام جداً تم نقده على أساس أنها لا يبرز بدرجة كافية النظريات المتعارضة المتعلقة بالوسائل وبالواقع وبطبيعة المعرفة
والتي يتبناها البراغماتيون ذوو الخلفيات الثقافية المتنوعة, والمنتمون إلى مدارس مختلفة في حقول فكر متعددة. ولكن إذا كان هذا التنوع يؤدي إلى صعوبة وضع تعريف شامل جامع لمذهب البراغماتية إلا أنه لا يعني
انعدام وجود مجموعة متجانسة ومتماسكة من الأفكار التي يتميز بها المذهب.
فبمراجعة المشكلات التي حاول المفكرون المنتمون لهذا المذهب مواجهتها وبالرجوع إلى الأفكار الأساسية التي رفضوها نستطيع أن نحدد المفاهيم الأساسية والمشتركة التي تتميز بها البراغماتية على تنوع تطبيقاتها,
وأهم هذه المفاهيم هو الاعتراض على الفصل المطلق بين الفكر من جانب والحركة من جانب آخر, وبين العلم البحت والعلم التطبيقي, وبين الحدس والتجربة.
وكذلك عدم الإيمان بوجود أشياء خارقة للطبيعة تتحكم في مقدرات العالم وكذا رفض المعايير المطلقة والأزلية للمعتقدات والقيم وإحلال معايير أكبر مرونة وأكثر محدودية محلها.