.. وليس الذكر كالأنثي..
د. زغلـول النجـار
هذا النص القرآني الكريم جاء في أواخر الخمس الأول من سورة آل عمران, وهي سورة مدنية, ومن طوال سور القرآن الكريم إذ تبلغ آياتها المائتين بعد البسملة, وبذلك فهي ثالثة سور القرآن الكريم طولا بعد كل
من سورتي البقرة والأعراف. وقد سميت بهذا الاسم الكريم لورود الإشارة فيها إلي السيدة( مريم ابنة عمران) أم عبد الله ورسوله المسيح عيسي ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ, وقد سبق لنا استعراض
سورة آل عمران, وما جاء بها من ركائز العقيدة, وقواعد التشريع, والإشارات الكونية, ونركز هنا علي الدلالات العلمية لقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ:... وليس الذكر كالأنثي..
من الدلالات العلمية للنص الكريم
هذا النص القرآني الكريم جاء علي لسان والدة السيدة مريم ابنة عمران بعد أن وضعتها وتبينت أنها أنثي, وكانت قد دعت الله ـ تعالي ـ أن يهبها ولدا, فلما حملت نذرت أن يكون محررا, أي: خالصا لله,
مفرغا لعبادته ولخدمة المسجد الأقصي, فلما جاءت أنثي اعتذرت إلي الله ـ تعالي ـ أنها لم تتمكن من الوفاء بنذرها, ويعرض القرآن الكريم لهذا الموقف النبيل بقول ربنا ـ تبارك وتعالي:
إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك مافي بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم* فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثي والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثي وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك
وذريتها من الشيطان الرجيم*( آل عمران:36,35)
والتعبير بـ.. وليس الذكر كالأنثي.. جاء في مقام الاعتذار عن عدم تمكنها من الوفاء بالنذر الذي قطعته علي نفسها, وتبقي الصياغة دقيقة علميا كما يتضح من العرض التالي: الاختلافات العلمية بين الذكر
والأنثي من بني آدم
أولا: في الشكل الخارجي:
من الثابت علميا أن الأنثي البالغة من بنات حواء هي ـ بصفة عامة ـ أصغر حجما من نظيرها الذكر, فهي أقصر في الطول, وأقل في الوزن بحوالي(10 ـ15%) في المتوسط, وهما كذلك يختلفان في منابت الشعر,
وأحجام كل من الرأس, والعنق, والذقن, والصدر, وطول كل من الأطراف والأصابع والجذع الأعلي, وفي قوة الاحتمال بصفة عامة.
ثانيا: في الصفات التشريحية:
يختلف كل من الذكر والأنثي البالغين في صفاتهما التشريحية اختلافا بينا خاصة في تركيب الجهاز البولي/ التناسلي, وما يستتبعه في الأنثي البالغة من الدورة الشهرية, والحمل. والوضع, والنفاس,
والإرضاع وغير ذلك من مسئوليات الأمومة.
ويختلف الجنسان كذلك في حجم كل من المعدة, والكليتين, والزائدة الدودية وكلها أكبر حجما في الأنثي البالغة عنها في نظيرها الذكر البالغ, بينما يتفوق هو في حجم كل من الرئتين, والقلب, والكبد,
والعضلات, فالقلب في الأنثي البالغة أصغر حجما عن قلب نظيرها الذكر بحوالي(25%), وعدد ضرباته أسرع بحوالي(10%), وضغطه أقل بحوالي(10 مم) زئبق. ويختلف الجنسان أيضا في تركيب الدم وصفاته الطبيعية
والكيميائية, وفي حجم وأطوال وكثافة العظام, وفي نسب الدهون وأماكن توزيعها في الجسم.ورئتا الأنثي البالغة أقل حجما من رئتي نظيرها الذكر بحوالي(25 ـ30%), وحجم كبدها أصغر بحوالي(20%), وكتلة
عضلاتها تبلغ نصف كتلة عضلات نظيرها الذكر, وهي أقل قوة منه بحوالي(20%) والدهون عندها تشكل(22%) من كتلتها, بينما لاتتعدي(10%) من كتلة نظيرها من الجنس الآخر, وعدد كريات الدم الحمراء تقل
بنسبة(20%) في الإناث عن نظائرهن من الذكور.
ثالثا: في تركيب المخ وبقية الجهاز العصبي:
من الثابت علميا أن الجهاز العصبي مختلف تماما عند البالغين من الجنسين, فحجم المخ في الذكر البالغ يزيد بحوالي(10 ـ15%) عن نظيره في الأنثي, وبالتالي يزيد بنفس النسبة عدد وكثافة الخلايا العصبية
في قشرة الدماغ(CorticalNeurons) كذلك يزيد حجم خلايا المخ في الذكور عنها في نظائرهم من الإناث بحوالي(30%), وتزيد نسبة المادة الرمادية(GrayMatter) في مخ الذكور البالغين بأكثر من ستة أضعاف نسبتها
في الإناث اللائي يحملن في أمخاخهن عشرة أضعاف ماتحمل أدمغة الذكور البالغين من المادة البيضاء(whitematter) ويزيد سمك الشق الأيمن من قشرة المخ عند الذكور ويتساوي سمك الشقين عند نظائرهم من الإناث,
ويختلف معدل استهلاك الناقل العصبي(Dopamine) بين الجنسين اختلافا كبيرا; وهناك فروق واضحة في عدد وحجم الخلايا العصبية المحركة(Motorneurons) في بقية الجهاز العصبي.
ومن أبرز الاختلافات بين مخي الذكر والأنثي البالغين أن الفصيص الصدغي السفلي للمخ(InferiorParietallobule) هو أضخم بكثير في الذكر عنه في الأنثي وفصه الأيسر أضخم من الجزء الأيمن في الذكور البالغين,
وهما متعاكسان أو متساويان تقريبا في نظائرهم من الإناث, ومعروف أن هذا الجزء الأيسر هو الجزء من المخ المتعلق بالإدراك والانتباه وبالقدرات الذهنية الحسابية ولعل ذلك يفسر كثيرا من الاختلافات في النوازع
والاهتمامات والرغائب والسلوكيات عند كل من الجنسين.
كذلك فإن حجم خلايا أنوية الوطاء أو مايعرف أحيانا باسم ماتحت المهاد(Hyothalamousnuclei) في الذكور البالغين يبلغ ضعف حجمها من الأناث, ويختلف شكل أنوية مافوق التصالب البصري(suprachiaSmaticnuclei)
في الجنسين اختلافا كبيرا, وبالتالي فإن طبيعة الذاكرة تختلف عند كل منهما بشكل واضح. أما النظام الحوفي في الدماغ(LimbicSystem) والذي يعتبر مركز العاطفة فهو أضخم في الإناث البالغات وأشد حساسية منه
عند نظائرهن من الذكور, وكمية الدم التي تتدفق إليه تفوق نظيرها عندهم بثماني مرات علي الأقل. ومن الفروق الفاصلة بين مخي الجنسين كل من الجسم الثفني أو الجاسيء(Corpuscallosum) والأخدود الدماغي
الأمامي(Anteriorcommissure) اللذين يربطان نصفي المخ الأيمن والأيسر, وكلاهما أكبر في الإناث البالغات.
وبالمثل فإن منطقتي الكلام المعروفتين باسم(BrocaandWernicke) فإنهما أضخم بنسبة(18 ـ20%) في الإناث.
كذلك هناك فروق كبيرة في التركيب الكيميائي للمواد الناقلة داخل الجهاز العصبي بين كل من الأنثي والذكر البالغين.
رابعا: الفروق الوراثية:
يختلف الجنسان الذكر والأنثي اختلافا بينا علي مستوي الخلية, ففي حالة الذكر تحتوي كل خلية جسدية علي44 صبغيا جسديا+ صبغيين تناسليين هما(*) الذي يحمل صفات مؤنثة,(Y) الذي يحمل صفات الذكورة,
وذلك فيما عدا خلايا التكاثر الحيامن التي يحمل كل منها:22 صبغيا+(*) أو22 صبغيا+(y).
وفي المقابل تحمل كل خلية جسدية في الأنثي44 صبغيا+(*).(*) بينما تحمل البييضة نصف هذا العدد(22 صبغيا+(*)
والحيمن الذي يحمل شارة التذكير(Y) يختلف في شكله ومميزاته عن ذلك الذي يحمل شارة التأنيث(*), فالأول أكثر لمعانا ووميضا وإن كان أصغر حجما, وأسرع في حركته, وأقل عمرا(24 ساعة فقط) وهو مدبب
الرأس, والثاني أكبر حجما, وأقل ضخامة في الرأس, وأقل سرعة في الحركة, وأطول عمرا نسبيا(72 ساعة).
وهذا هو مايفسر اختلاف جسدي كل من الذكر والأنثي من الوجهة الشكلية, والتشريحية, والوظيفية علي مستوي كل من الخلية والنسيج والعضو, والجهاز, والجسد كله, كما يفسر التباين في القدرات العقلية
والعاطفية والسلوكية وغير ذلك, ويوضح الفرق بين تأثير كل من المورثات والهرمونات في جسد كل منهما, علما بأن نسبة الاختلاف في المورثات بين الجنسين هي حوالي(2 ـ3% من مجموع المورثات في الخلية الحية
البشرية والمقدر عددها بحوالي ثلاثين ألف مورث إلي خمسة وثلاثين ألفا. وقد لوحظ أن الصبغي المذكر(Y) مرتبط بعامل يعرف بالرمز(Sry) يؤثر في الخصائص الحيوية للخلايا العصبية, وكذلك الصبغي المؤنث(*)
مرتبط بمورث يرمز له بالرمزPCDHX)( يوجد في مخ المرأة بأكثر من ضعف وجوده في مخ الرجل.
خامسا: الفروق في الهرمونات:
تعزي الاختلافات السلوكية بين الجنسين من بني آدم إلي تأثير الهرمونات الجنسية(GonadalSteroids) علي المخ. فمنذ المراحل الأولي لجنين الإنسان( من الأسبوع السابع إلي الثالث عشر) يزداد تركيز
الهرمونات الذكرية أو الأنثوية حسب إرادة الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ فيتشكل مخ الجنين بأي منهما في مجموعتين متمايزتين تمايزا كاملا, وتكفي في ذلك الإشارة إلي تركيز الهرمون الذكري المعروف باسم
تستوستيرون(Testosterone) عن الذكور البالغين إلي عشرين ضعف ماعند الإناث البالغات, وفي المقابل يحتوي دم الأنثي الحاملة لجنين أنثي علي نسبة عالية من الهرمونات المشيمية(CHORIONICGONADOTROPHINS)
بنسبة تزيد بحوالي20% عند نظيرتها الحاملة لجنين ذكر.
سادسا: الفروق في معدلات النمو والبلوغ والشيخوخة:
يتباين الجنسان: الذكر والأثني تباينا واضحا في معدلات النمو والبلوغ, فالذكور أسرع في النمو في مرحلة الطفولة المبكرة من الإناث بصفة عامة, ويبدأ الذكور في البلوغ من سن(10 ـ14) سنة, بينما
تبدأ الإناث في البلوغ من سن(11 ـ15) سنة, والرجل يصل إلي الشيخوخة بين(65,55), وتبدأ المرأة طور الشيخوخة بين(55,45) سنة بصفة عامة.
سابعا: في النواحي النفسية:<b