لاسم ميّ فضلٌ على سائر الأسماء!!)
هكذا يقول والدي بعد أنْ يتنحنح وينحني للأمام هامسًا على مقربةٍ من أذني ،كمن يحرص على ألا يفشي سرًّا!!
يقول بعض أصحاب المعاجم العربية المتفرقة القديم منها والجديد أنّ معنى اسم (ميّ) -هكذا بالتشديد - القرد الصغير ، أو الغزال الصغير أو هو صفةٌ في عين الغزال ، أو الجارية الصغيرة ، أو هو اسم الأفعى في حال
ارتقاءها غصن شجرة صغيرة !!
في معاجم أخرى وَرَدَ : ميّ اسم امرأة ويقال ميّة ومنه قول الشاعر:
يا دار ميّة بالعلياء فالسند *** أقوت فطال عليها سالف الأبدي
ولكَ أنْ تضيف قائمة من عندك مكونة من أسماء حيوانات على أنْ تأخذ في اعتبارك عمر هذه الحيوانات بحيث تكون صغيرة ما أمكن ، خشية أنْ تنفقَ حيواناتك المسكينة في معاجم اللُّغة التي لفها غبار التخدم ،(هذه
الكلمة من نحتي فليس ابن الأحمر أكثر عروبةً مني، وهي هجين بين كلمتي "التخلف" ، و"التندم"عليه!!)
ودون الشدّة (ميْ) هكذا معناه المياه الجارية ، ولو لم يكن اسمي مشدَّدًا لفرحتُ لهذا الكشف الرقيق!!
ربما يكون الماء مصدر اسم العلم ( ميّ ) ولاحقًا ( مية ) للإمعان في تأنيثه
لأن الهمزة في ماء مبدلة عن الياء ، وبقايا الإبدال مازالت متداولة في اللّهجات العربية وشقيقاتها من الساميات الحديثة ، ففي الخليج تتحرك المفردة بين ( ماي وموية ) بواو ممالة عن الألف.
وفي العراق بين ( مية ومي ) بميم مفخّمة ، و ( ماي ) بميم مخفّفة كما يُنطق بها اسم العلم مي.
أما في الموصل فتُلفظ مفردة ( ميّة ) الدالة على الماء كما يُلفظ اسم العلم ميّة تمامًا ويشترك معه في صيغة التصغير.
وفي السريانية ولهجات ( السورت ) التي هي جماع اللهجات السامية في شمال الهلال الخصيب يُلفظ الماء ( مايا ) بألف قصيرة ، فيبدو وكأنه مي .
وكذلك في الآشورية (ميّا) ومن ثم تماهت الآشورية الحديثة مع اللهجات السامية في محيطها وصار الآشوريون الحاليون يطلقون على الماء (مايا)
وقد يكون هذا تفسير مناسب لاسم العلم (مايا) المأخوذ عن (مي)
كما وقد قرأت في المهابارتا اسم (مايا) إلهة هندية
ويشيع اسم مي في العراق شيوعًا كبيرًا بين العرب والنصارى الذي يتكلمون (السورت)
وفي الصدد نفسه ، اذكر دخول المفردة في أسماء الأمكنة ، كما في مدينة (ميسان) العراقية والتي هي من أصل آرامي ، فميسان مفردة مركبة ومنحوتة من مفردتين هما ( مي ) و ( سين ) وتعني : ماء القمر . وكانت ميسان
العراقية دولة كبيرة ابتداء من القرن الثالث قبل الميلاد وامتدّ نفوذها في مناطق واسعة من الشرق القديم ، وهي نفسها ميسان التي أقال عمر بن الخطاب أحد ولاتها من منصبه لأنه تخيل أنه يشرب الخمر :
قال النعمان بن نضلة العدوي – رضي الله عنه – والي ميسان :
فإن كنتُ ندمايَ فبالأكبـر اسقنِي *** ولا تسقنـي بالأصغَــر المتثلـم
لعـلَّ أميـر المؤمنيـن يســوؤه *** تنـادمنـا بالجوسـق المتهـدَّم
فبلغت الأبيات عمر بن الخطاب ، فقال: أي والله ، وأبي وأبيك ، يسوؤني ، يا غلام ، اكتب بعزله.
فلما قدم على عمر بكّته بهذا ، فقال: يا أمير المؤمنين ما شربتها قط .
فقال عمر: أظن ذلك ولكن لا تعمل لي عملا.
ولأنني أربأ بالعلامة حمد الجاسر الذي سمّا ابنته (ميّ) من جهلٍ وفسادٍ في الذائقة كهذا!!
وكذلك أُعيذُ الأديبة العربية الكبيرة (ماري زيادة) من خطل الرأي حين فضلت أنّ تُسمى (ميّ) عِوضًا عن (ماري)!!
كما فعلها أيضًا الشاعر الشعبي ابن لعبون حين خاف من أنْ يشبب بـ (هيله) فغير اسمها إلى (ميّ) وفي الحقيقة لا أعرف هل سمع أهل بادية نجد اسمي قبل هذا التاريخ أم لا؟!!
لعل ابن لعبون سمع أم ( ميّ ) تنادي ابنتها عندما كان يربع بنوقه في ربوع لبنان فأيامها كانت الحدود مفتوحة ولم تكن جوازات السفر قد اخترعت بعد!!
فأعجبه اسم ميّ الشاعري الرقيق وقرر أنه يناسب (هيله) أكثر من اسمها !!
لكن الحيلة لم تنطلِ على قبيلة (هيله) فكانوا له بالمرصاد وانتبهوا لمؤامرته فضيقوا عليه وضيقوا حتى جعلوه يصيح مناديًا : يا علي صحت بالصوت الرفيع!!
ولأنني شعرتُ أنّ وزن اسم ميّ (م.ي.ي) بعد فك الإدغام
ليس وزنًا عربيًا بصيغته المتقدمة أعلاه
فتشتُ عن معنى اسمي في لغات حيّة أخرى ، وقد عقدتُ العزم على ردّ كيد المعاجم العربية في نحرها ، ولو كلفني ذلك التفتيش عن(ميّ) في معاجم اللُّغات الميتة!!!
ووجدتُ أنّ ميّ اسم للخمرة المعتقة في اللّغة الفارسية القديمة، أو هو الخان الذي تباع فيه الخمر .
إذًا هو اسم فارسي مُعرَّب.
ستقولون: يا فرحتك!!
و سأجيب : وفّروا تعليقكم حتى أنهي هذا الذي أنا بصدد التّصدي له!!
فعندما أقول الفارسية القديمة فأنا لا أعني اللُّغة الفهلوية بل هي اللُّغة الأقرب من حيث التاريخ ،ربما هي لغة وسطى بين الفهلوية واللُّغة الفارسية المعاصرة ، ولا تسألني أنْ أحدد أكثر لأني لا أعرف أكثر ،
اسأل إنْ شئت علماء اللُّغة والألسنيين !!
هذا ما تقوله " الجماجم/ المعاجم" العربية (اعذروني لم أقاوم رغبة المزاوجة بينهما لاعتقادي بأنهما عتيقان باليان خلقان مهترئان !! )
بينما يقول التاريخ:
لولا ميّ لخلط العرب في نحوهم وقواعد لغتهم و لربما نادوا الأفعال مناداتهم للأسماء ولالتبس عليهم قول ابن مالك في ألفيته:
بالجر والتنوين والندا و أل *** ومسند للاسم تمييز حصل
ولَمَا ميزوا الأسماء بالنداء ، لأنّ النحاة غفلوا فأدخلوا بيتًا للرّمة أقصد غيلان ذو الرُّمة ينادي فيه الفعل (اسلمي) فيقول:
ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلا *** لا زال منهلاً بجرعائك القطرُ.
فأوهم السامع أنّ المنادى هو الفعل( اسلمي) وليس كما قدَّره فطاحلة النَّحو بأن التقدير ألا يا دار ميّ اسلمي يادار ميّ!!!
والله…. كان هذا تقديرهم ثم أني لا أتقوَّل على الأموات!
هاه أخبروني ماذا كان سيحلُّ بالنَّحو العربي لولا ميّ ودارها ، بل ماذا كان سيحلُّ به لولا جرعائها ؟!!
هل تظنون أن القصة انتهتْ هنا؟ ، حتى أنا ظننتُ ذلك من قبل لكن السِّت( كنزة أم شملة) لم يرقها ذلك الشعر من لدن الرّمة أقصد غيلان ذو الرُّمة الذي سموه بذي الرُّمة لأنه كان يربط حبل الناقة ( الرُّمة) حول
عنقه ، لعله أوَّل من لبس كرفته في التاريخ.!!
ثم ينسبون اختراع الكرفته للأروبيين .. دائمًا يزِّيفون التاريخ ويسرقون اختراعاتنا ، لا أمزح !! أذكر أني قرأتُ مقالاً يحاول صاحبه بأن يثبت أن الايطاليين سرقوا منّا طريقة صنع المكرونة فيتبجح
بقوله: (كان البدوي يجفف خُبزَهُ ثم يطهوه في حالة السفر!!)
ماذا كنتُ أقول قبل حديثنا الشَّهي عن المكرونة ؟!
آه. كنت أحدثكم عن السِّت(كنزة) ياللوحش ذو العيون الخضر ، الغيرة على الطريقة الشكسبيرية وحش !!
أما على طريقة كنزة أم شملة العربية فهي قصيدة هجاء من الطراز الأول ، لا يثبت تاريخيًا أن كنزة عاصرت الرّمة أقصد غيلان ذو الرُّمة ، ربما لأن غيلان كان مشنوقًا برُّمته مشغولاً عن العالمين بميّ للحد الذي
جعل نقاد عصره (الأموي) -مع اعترافهم بشاعريته- يقدمون عليه جميل بثينة وكثّير عزة ويقدمون الثاني على الأول بالرغم من أنّ كثّير كان راويةً لجميل، و بدعوى أنّ جميل لم يقل في جميع الأغراض!!
فإنْ تصفحتَ ديوان الشاعرين وجدت أنّ كثّيرًا قال في المديح بينما جميل لم يكن يتكسب بشعره!!
لا يهم !!
هؤلاء النقاد يعتقدون وما زالوا أنّ الحياة ضيقة بحجم دينار السلطان!!
ما يهمنا هو أنّ غيرة كنزة أم شملة ثـبتت نسائيًا، وإلا مالذي يدفعها لهجاء ميّ بقولها:
على وجه ميّ مسحةٌ من ملاحة*** وتحت الثياب الخزي لو كان باديًا
مسحةٌ من ملاحة ، ميّ كانت جميلة باعتراف عدُّوتها !