الحســـــــد
( العين - النفس - النظرة )
يقول الله تعالى: وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين
يقول ابن كثير : قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما "ليزلقونك" لينفذونك "بأبصارهم" أي يعينونك بأبصارهم بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم .
يقول الشاعر:
ترميك مزلقة العيون بطرفها *** وتكل عنك نصال نبل الرامي
وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة.
ويقول سبحانه تعالى : وَدّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْحَقّ فَاعْفُواْ
وَاصْفَحُواْ حَتّىَ يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة :109] ويقول تعالى:أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَىَ مَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ
إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مّلْكاً عَظِيماً[النساء:54] ، ويقول تعالى : وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ .
العائن والمعيان و المعين والمعيون :
الذي يصيب بالعين يسمى العائن والمعيان اذا عرف عنه شدة الإصابة بالعين ، ويسمى المصاب بالعين بالمعين والمعيون يقول عباس بن مرداس :
أكليب مالك كل يوم ظالماً - والظلم أنكد وجهه ملعونُ
قد كان قومك يحسبونك سيداً - و إخال أنك سيد معيون
تعريف الحسد :
يقول ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد اصل الحسد : هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها أ.هـ.
ويذكر العلماء أن مراتب الحسد أربعة وهي :
الاولى : تمني زوال النعمة عن المنعم عليه ولو لم تنتقل للحاسد.
داريت كُل الناسِ لكن حاسدي مُـداراته عَزت، وعَز مَنَالُها
وكيفَ يداري المرءُ حاسدَ نعمةٍ إذا كـان لا يُرضيه إلا زوالها
الثانية : تمني زوال النعمة عن المنعم عليه وحصوله عليها .
الثالثة : تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه حتى لا يحصل التفاوت بينهما ، فإذا لم يستطع حصوله عليها تمنى زوالها عن المنعم عليه.
الرابعة : حسد الغبطة ويسمى حسداً مجازاً وهو تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه من غير أن تزول عنه . روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ لا حَسَدَ إلا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ
فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ وَرَجلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمل .
تعريف العين:
يقول ابن القيم في الزاد " هي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطيه تارة " .
ويقول في كتابه بدائع الفوائد : العائن والحاسد يشتركان في شيء ويفترقان في شيء ، فيشتركان في أن كل واحد منها تتكيف نفسه ، وتتوجه نحو من يريد أذاه.
فالعائن : تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته .
والحاسد : يحصل له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره أيضا .
ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده ، من جماد أو حيوان أو زرع أو مال وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه أ.هـ.
ويقول في كتابه الزاد الجزء الثالث : ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية بل قد يكون العائن أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره ، وكثير من العائنين يؤثرون في المعين بالوصف من غير رؤية
أ.هـ. اضغط هنا لمشاهدة المقالة كاملة
أقســـام العين والحسد
- العين المعجبة
- العين الحاسدة
- العين القاتلة
الإصابة بالعين إما أن تكون من عين إنسية أو عين من الجن ، فالجن يصيبون بالعين كإصابة الإنس أو أشد ، ففي سنن النسائي عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ وَعيْنِ الإنسِ فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ . وتنقسم العين الى ثلاثة أقسام ، وهذا تقسيم افتراضي وليس قطعي
:
العين المعجبة : إن النفس إذا ما أفرطت في الإعجاب بنعمة من النعم أثرت فيها وأفسدتها بإذن الله تعالى ما لم يبرك صاحبها ، يقول تعالى في سورة الكهف: وَلَوْلآ إِذْ دَخَلْتَ جَنّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ
اللّهُ لاَ قُوّةَ إِلاّ بِاللّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً ، ويقول صلى الله عليه وسلم ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ) جزء
من حديث رواه أبن ماجة .
يقول ابن حجر : أن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من الرجل المحب ومن الرجل الصالح ، وإن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة فيكون ذلك رقية منه أ.هـ.
العين الحاسدة : تخرج العين من نفس حاسدة خبيثة ، خبيث صاحبها ، وهي في الأصل تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود , يقول الله تعالى : وَدّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدّونَكُم
مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْحَقّ [البقرة: 109] .
أيا حاسداً لي على نعمتي أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه لأنـك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربي بـأن زادني وسـد عليك وجـوه الطلب
العين القاتله ( السمية ) : تخرج العين من العائن إلى المراد إعانته بقصد الضرر ، قال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب من خبائه فتمر به النعم فيقول : ما رعى اليوم إبل
ولا غنم أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قريبا حتى يسقط منها طائفة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل به مثل ذلك ، فعصم الله تعالى نبيه وانزل قوله تعالى: وَإِن
يَكَادُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمّا سَمِعُواْ الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنّهُ لَمَجْنُونٌ أ.هـ.
وعند أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الْعَيْنَ لَتُولِعُ بِالرَّجل بِإِذْنِ اللَّهِ حَتَّى يَصْعَدَ حَالقًا ثُمَّ يتَرَدَّى مِنْه" . وقد يصاب الإنسان
بعين سمية في رأسه فتتلف خلايا مخه فيصاب بالجنون ، أو قد يصاب الإنسان بعين سمية في نفسيته فيجهد من الضيق والحزن والكآبة وتضيق عليه الأرض بما رحبت فمثل هذا يخشى عليه من الانتحار والعياذ بالله .
يقول ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد عندما تعرض لتفسير سورة الفلق : فلله كم من قتيل وكم من سليب وكم من معافى عادى مضني على فراشه يقول طبيبه لا أعلم داءه ما هو ، فصدق ليس هذا الداء من علم الطبائع ،
هذا من علم الأرواح وصفاتها وكيفيتها ومعرفة تأثيراتها في الأجسام والطبائع وانفعال الأجسام عنها وهذا علم لا يعرفه إلا خواص الناس والمحجوبون منكرون له أ.هـ.
قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده عن جابر بن عبدالله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس" قال البزار يعني العين . يقول ابن كثير في
تفسيره لآخر آية في سورة القلم روي هذا الحديث من وجه آخر عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق لتورد الرجل القبر والجمل القدر وإن أكثر هلاك أمتي في العين".
يستنبط من حديث أكثر من يموت من أمتي :
- أن العين تصيب أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من بقية الأمم الأخرى.
- أكثر موتى المسلمين يموتون بسبب العين ، وهذا يعني أن أكثر من 50% ممن يموت من المسلمين كان سبب موتهم حادث سيارة أو سقوط طائرة أو بسبب مرض معروف أو بسبب مرض غير معروف هو في الأصل من بعد قضاء الله
وقدره بسبب العين .
- كما يستفاد من هذا الحديث أن الكثير من الأمراض العضوية والنفسية والعصبية التي يعجز الأطباء عن معرفة سببها وطريقة علاجها هي من أثر العين، فما دون الموت أحرى بوقوعه.
أعـراض العيــــن
كثير من الناس يصابون بالعين وهم لا يعلمون ، لأنهم يجهلون أو ينكرون تأثير العين عليهم ، فان أعراض العين في الغالب تكون كمرض من الأمراض العضوية إلا أنها لا تستجيب إلى علاج الأطباء ، كأمراض المفاصل
والخمول والأرق والحبوب والتقرحات التي تظهر على الجلد والنفور من الأهل والبيت والمجتمع والدراسة ، وبعض الأمراض النفسية والعصبية .
يقول الشيخ عبد الخالق العطار : أعراض الحسد تظهر على المال والبدن والعيال بحسب مكوناتها ، فإذا وقع الحسد على النفس يصاب صاحبها بشيء من أمراض النفس ، كان يصاب بالصدود عن الذهاب إلى الكلية أو المدرسة أو
العمل، أو يصد عن تلقى العلم ومدارسته واستذكاره وتحصيله واستيعابه وتقل درجة ذكائه وحفظه ، وقد يصاب بميل للانطواء والانعزال والابتعاد عن مشاركة الأهل في المعيشة، بل قد يشعر بعدم حب ووفاء وإخلاص أقرب
وأح