مبادرة لمكافحة الأمراض المزمنة في فلسطين
مقدمة:
تعتبر الأمراض المزمنة السبب الرئيسي للوفاة على مستوى العالم، ولا يزال تأثيرها على صحة سكان العالم في ازدياد. إذ يموت ما يقارب 17 مليون إنسان حول العالم كل عام نتيجة للأمراض المزمنة.
في السابق، كانت المجتمعات الثرية والمتحضرة هي الأكثر تعرضاً للمخاطر المتعلقة بارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكولسترول في الدم واستعمال التبغ والاستهلاك المفرط للمشروبات الكحولية وانتشار البدانة ونمط
الحياة المعتمد على قلة الحركة والنشاط البدني. ولكن هذه المخاطر والأمراض المرتبطة بها آخذة بالانتشار في البلدان ذات الدخل المتوسط أو المنخفض،
ولم تعد تقتصر على البلدان الثرية كما كان يسود الاعتقاد في السابق. بل والأكثر من ذلك أنها تسبب للبلدان النامية عبئاً مضاعفاً يضاف إلى عبء الأمراض المعدية التي لا تزال تؤثر بشدة على البلدان الأكثر
فقراً في العالم.
يمكن لواحد أو أكثر من عوامل المخاطرة الواردة أعلاه أن يساهم في الإصابة بأي من الأمراض المزمنة، والتي تضم السكري وأمراض القلب والأوعية (بما فيها ارتفاع الضغط والجلطات) والسرطانات وأمراض الرئة المزمنة.
ويعتبر الانتشار المتزايد لهذه الأمراض مسؤولاً عن حوالي 60% من الوفيات في العالم (31.7 مليون وفاة) وعن 43% من حالات الإصابة بالمرض في العالم. ويبلغ نصيب البلدان ذات الدخل المتوسط أو المنخفض 77% من
مجموع الوفيات و85% من مجموع الحالات المرضية المرتبطة بالأمراض المزمنة. إن معدلات الوفاة والمراضة هذه آخذة بالتزايد على مستوى العالم مع ما تحمله من مخاطر كامنة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية
لمختلف شعوب العالم، إلى جانب ما تسببه من إعاقات ووفيات لملايين البشر. من الواضح أن تزايد تأثير هذه الأمراض مرتبط بالتغير الحاصل على أنماط التغذية العالمية وتزايد استهلاك الأطعمة المصنعة ذات المحتوى
العالي من الدهون والملح والسكر. وقد أشارت وزارة الصحة الفلسطينية في تقريرها السنوي للعام 2003 إلى أنها تعتبر أن الأمراض المزمنة الناتجة عن التغذية والعادات الغذائية غير الصحية لم تعد تقل خطورة عن
الأمراض الناتجة عن نقص التغذية.
وضع الأمراض المزمنة في فلسطين:
تمر فلسطين بمرحلة انتقالية من ناحية وبائية الأمراض المنتشرة، وكذلك من ناحية أنماط استهلاك الغذاء، مما يصاحب بتفاقم تأثير الأمراض المزمنة على المجتمع الفلسطيني، وخاصة السكري وارتفاع الضغط وأمراض القلب
والأوعية والسرطان وغيرها. هذا في الوقت الذي لا تزال تتواصل فيه المعاناة التقليدية من الأمراض المعدية والمشكلات البيئية.
إن عوامل المخاطرة المتصلة بالأمراض المزمنة شائعة الانتشار في المجتمع الفلسطيني. فاستهلاك التبغ يعتبر من أعلى النسب في العالم، وكذلك ينتشر استهلاك الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والسكريات البسيطة، إلى
جانب انخفاض استهلاك الأطعمة الغنية بالألياف والحبوب الكاملة والنشويات المركبة.
ثمة شواهد على ارتفاع معدلات انتشار بعض الأمراض المزمنة في فلسطين. فمعدل انتشار السكري من النوع الثاني يقدر بحوالي 10%. وفي ظل غياب أية بيانات مفصلة وموثوقة عن مدى انتشار الأمراض المزمنة وعوامل
المخاطرة بالإصابة بها في فلسطين، فإن البيانات التي جمعتها الإغاثة الطبية من خلال خدماتها تعكس واقعاً مرعباً لمدى انتشار هذه الأمراض. جاءت هذه البيانات نتيجة خمسة أعوام من العمل في منطقة رام الله (وفي
القرى بشكل أساسي)، حيث قام فريق تابع لبرنامج للوقاية من الأمراض المزمنة بجمع بيانات حول هذه الأمراض وعوامل المخاطرة المتعلقة بها. تردد على هذه الخدمة الأشخاص فوق سن 35 عاماً بشكل طوعي وتم فحص السكر
في الدم لديهم، إلى جانب مستوى الدهنيات وضغط الدم والوزن والطول وغيرها من عوامل المخاطرة. وبعد جمع بيانات عن حوالي 6000 شخص وتحليلها (شكل الرجال 69% من المجموع والنساء 31%)، أشارت البيانات إلى وجود
ارتفاع الضغط لدى 27% منهم والسكري من النوع الثاني لدى 18% منهم، فيما ظهر اضطراب مستوى الدهنيات لدى 40%.
كما أن الأمراض المزمنة تمثل السبب الرئيسي للوفيات بين البالغين في المجتمع الفلسطيني. فتقرير وزارة الصحة لعام 2001 يشير إلى أن السكري والسرطانات وأمراض القلب والأوعية، بما فيها ارتفاع الضغط والجلطات،
تساهم في أكثر من 50% من أسباب الوفيات في أوساط البالغين. وإذا ما أخذنا في الاعتبار الوضع الراهن للخدمات الصحية وارتفاع مستويات الفقر، فيصبح من الواضح لنا كم هو ملح أن يولى اهتمام خاص بالإعاقات
الناتجة عن الأمراض المزمنة.
برنامج الأمراض المزمنة في الإغاثة الطبية:
أنشأت الإغاثة الطبية هذا البرنامج عام 1999 استجابة للحاجة المتزايدة لمكافحة الأمراض المزمنة. يركز البرنامج على الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة وتحسين الممارسات المتبعة في التعامل معها. وقد تم في عام
2000، وبدعم سخي من الحكومة النمساوية، إنشاء مركز استطلاعي يتبع نهجاً تكاملياً في التعامل مع الأمراض المزمنة. وفي عام 2005، دعمت الحكومة النمساوية مرحلة جديدة في عمل مركز وبرنامج الأمراض المزمنة.
وتمثل هذه المرحلة امتداداً للإنجازات التي سبق تحقيقها في الأعوام الخمسة السابقة، حيث سيتم توسيع خدمات تدبير الأمراض المزمنة لتشمل مراكز جديدة للرعاية الصحية الأولية. وقد رأى فريق التقييم النمساوي
الذي قيم البرنامج في عام 2004 أن الإغاثة الطبية قد نجحت إلى حد كبير في بناء نموذج صحي للوقاية من الأمراض المزمنة يمكن أن يتم تنفيذه ودمجه في كل مراكز الرعاية الصحية الأولية بسهولة.
يعمل البرنامج في عدد من مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة للإغاثة الطبية ومن خلال عيادات متنقلة تصل إلى القرى النائية، إلى جانب مركز الأمراض المزمنة القائم في رام الله. وتتضمن مكونات البرنامج
الرئيسية ما يلي: فحوص التقصي عن أمراض القلب والأوعية وارتفاع الضغط والسكري وسرطان الثدي، والتثقيف الصحي حول عوامل المخاطرة والوقاية، والترويج لأنماط الحياة الصحية، وجمع البيانات، وتحويل الحالات بهدف
متابعتها. وقد أثبتت العيادات المتنقلة التي يديرها البرنامج أهميتها الخاصة في هذا الوقت بالتحديد، حيث لا يستطيع العديد من السكان الوصول إلى المراكز الطبية بسبب الإغلاقات وحظر التجوال.
نتائج فحوص التقصي في الفترة بين 2000-2004 (10.590 شخصاً)
الأمراض/عوامل المخاطرة نسبة الانتشار
زيادة الوزن (مؤشر كتلة الجسم يساوي أو أعلى من 25) 78%
البدانة (مؤشر كتلة الجسم يساوي أو أعلى من 30) 41%
ارتفاع الضغط (ضغط الدم يساوي أو أعلى من 140/90) 31%
السكري (سكر الدم صائماً يساوي أو أعلى من 125 مغم/ديسلتر) واضطراب السكر صائماً (سكر الدم صائماً بين 111-125 مغم/ديسلتر) 18%
اضطراب مستوى الدهنيات (الكولسترول الكلي أعلى من 200 و/أو الدهنيات الثلاثية أعلى من 200 و/أو الكولسترول العالي الكثافة أقل من 40 مغم/ديسلتر) 49%
يقدم البرنامج خدماته من خلال:
• العيادة المتنقلة التي تركز على الفحص والكشف المبكر عن الأمراض المزمنة وعن عوامل المخاطرة. تعمل في منطقة رام الله وتساهم في إيصال الخدمات إلى القرى والمواقع المحرومة والنائية أو تلك التي تعيش في ظل
ظروف صعبة من إغلاقات وحظر تجوال.
• مركز الأمراض المزمنة في رام الله، والذي يعمل على تكييف النهج الشمولي في تدبير الأمراض المزمنة.
• التعامل مع الأمراض المزمنة في مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة للإغاثة الطبية في مختلف مناطق الضفة الغربية، مع أمل التوسع في هذه الخدمة لتشمل قطاع غزة أيضاً.
وقد بلغ عدد زيارات المستفيدين من خدمات البرنامج إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية 7000 زيارة من كلا الجنسين. كما وبدأ البرنامج بتطبيق خطة لتحسين السيطرة على السكري في ثلاثة مواقع، هي إذنا وعابود
وسنجل. ضمن هذه الخطة، تتم متابعة 400 مريض في هذه العيادات الثلاث، ويجرى لهن فحص السكر مجاناً، كما تتم متابعة الحالات بالاعتماد على المشاركة المجتمعية في خطة تدبير الحالات.
ووفقاً لذلك، تم تشكيل مجموعات من المرضى وأهاليهم وأفراد مجتمعاتهم للعمل بشكل مشترك على تحسين الوعي والسيطرة على المرض لدى هؤلاء المرضى. ومع أن الوقت ما زال مبكراً للحكم على هذه التجربة، إلا أن نتائج
الفحوص بعد ثلاثة أشهر وستة أشهر تشير إلى تحسن في وضع المرضى بالمقارنة مع نتائج الفحوص الأولية.
مركز الأمراض المزمنة:
يعتبر المركز أحد المراكز الصحية الأفضل تجهيزاً في منطقة رام الله وتتوفر له القدرة الفنية للعمل كمركز تحويل لمرضى الأمراض المزمنة. يتمحور عمل المركز على الوقاية والكشف المبكر والتدبير السليم للأمراض
المزمنة.
يتمتع أعضاء طاقم المركز بالكفاءة العلمية والخبرة العامة التي يتطلبها البرنامج. وقد حصلوا على التدريب اللازم لأدائهم لعملهم، كما أنهم يحافظون على اتصال أكاديمي بمعهد الصحة العامة والمجتمعية في جامعة
بيرزيت.
الاستراتيجية:
الهدف العام للبرنامج: المساهمة في تخفيض العبء الاقتصادي والاجتماعي للأمراض المزمنة على المجتمع الفلسطيني.
الغاية من البرنامج: تطوير قدرات 60 عيادة للرعاية الصحية الأولية في مجال الوقاية من الأمراض المزمنة والكشف المبكر عنها وتدبيرها بحيث تصبح نموذجاً في التعامل السليم مع الأمراض المزمنة في فلسطين.
مخرجات البرنامج:<br /