الجواب العلمي باختصار هو: نعم ..
وهناك باحثون طبيون منشغلون في فك أسرار تفضيل البعوض لقرص بعض الناس دون غيرهم، وربما ليس صحيحا أن البعض لديه دم «خفيف» على معدة البعوض، ما يجعله ينجذب إلى قرصه، إلا أن الصحيح لدى هؤلاء الباحثين أن
هناك عوامل تجعل من جلد بعض الناس مغناطيسا يجذب البعوض إليهم.
البعوض والإنسان
وما قد لا يعلمه البعض، أن ليس كل البعوض يلجأ إلى قرص الجلد كوسيلة للحصول على الدم، ولا أنه يريد بذلك الحصول على الغذاء.
والحقيقة، أن البعوض لا يتغذى على الدم أصلا، ولكن تلجأ إناث بعض أنواع البعوض إلى قرص الجلد للحصول على كمية من الدم، الذي تحتاجه لإنتاج بويضات ملقحة وناضجة، ولذا فإن جوع البعوض ليس هو السبب، وذكور
البعوض لا علاقة مباشرة لها بإزعاج البشر أو إصابتهم بقائمة من الأمراض التي يتسبب البعوض في نقلها عادة.
وتشير المصادر العلمية إلى أن تاريخ البعوض في الأرض يمتد إلى أكثر من 170 مليون سنة مضت، وأن البعوض أعلن حربه على البشر منذ أزمنة سحيقة.
وحتى اليوم لا يزال البعوض أحد أكبر أعداء البشر، فوفق ما تذكره النشرات الحديثة لمنظمة الصحة العالمية، يتسبب البعوض في وفاة أكثر من مليون شخص سنويا، عبر الأمراض الميكروبية التي يقوم بنقلها إلى
الإنسان.
وهناك أكثر من ألفي نوع من البعوض، القليل منها يتسبب في الملاريا وحمى الضنك وحمى غرب النيل والوادي المتصدع وغيرها من الأمراض التي تنتشر في المناطق الحارة والباردة والمعتدلة من العالم، وفي الدول
النامية والمتقدمة جدا سواء بسواء.
وإن كان البعض يراها حشرة ضعيفة، فإن المصادر العلمية تشير إلى أن للبعوضة قدرة على قطع مسافة 3 كيلومترات في الساعة الواحدة، أي أنها لو شاءت لقطعت 72 كيلومترا في اليوم!
وإناث البعوض حينما تنال وجبة من الدم ينشط جهازها التناسلي وتصبح قادرة في خلال بضعة أيام على وضع مئات البيضات، الذي يفقس خلال بضعة أسابيع بعوضا جديدا.
وإن كان البعض يظن أن البشر يمتلكون ويستخدمون بكفاءة ما يمكّنهم من القضاء على البعوض، وبالتالي الأمراض الناجمة عن قرصه، فإن إحصائيات المنظمات الصحية العالمية تشير إلى أن الإصابات بأحد الأمراض التي
ينقلها البعوض، وهو حمى الضنك، ارتفعت بنسبة 400 في المائة خلال الفترة من عام 1970 وحتى الآونة الأخيرة!
مغناطيس للبعوض
ويقول البروفسور جيري بتلر من جامعة فلوريدا: «واحد من كل عشرة أشخاص عالي الجاذبية للبعوض»، وللعوامل الجينية دور في أكثر من 85 في المائة من قابلية البعض دون غيرهم للإصابة بقرص البعوض، إلا أن العلماء لم
يستطيعوا تحديد تفاصيل العناصر التي تجعل البعوض يرى إنسانا ما «فريسة مفضَّلة».
ويقول الدكتور جو كونلون، المستشار بالرابطة الأميركية للسيطرة على البعوض،: «كمّ كبير من الأبحاث والدراسات العلمية التي حاولت معرفة المركبات أو الروائح أو المميزات التي توجد في جلد أو حتى دم البعض،
والتي تجعل البعوض ينجذب نحوهم لقرصهم وشفط الدم منهم.
والعلماء بحثوا في أكثر من 400 مركَّب كيميائي لمعرفة أيها ذات علاقة بجاذبية البعوض، وتم التعرف على عدة عناصر كيميائية في الجسم، يشكل وجودها بشكل واضح على سطح الجلد، عامل جذب للبعوض.
ويقول الدكتور بتلر إن البعوض ينجذب نحو الأشخاص الذين يوجد على جلدهم تركيز عالٍ للكولسترول والمركبات الستيرويدية.
ولكن هذا لا يعني أن البعوض يفضّل مَن لديهم ارتفاع في نسبة كولسترول الدم، بل يرتبط الأمر بوجود الكولسترول والمركَّبات الكيميائية المرتبطة به على سطح الجلد، وهذا قد يحصل حتى على نسبه من نسبة الكولسترول
في دمهم .
ويضيف الدكتور جون إيدمن، الناطق باسم المجمع الأميركي لعلوم الحشرات، إن البعوض ينجذب إلى جلد الأشخاص الذين ينتجون كميات زائدة من بعض أنواع الأحماض، مثل حمض اليوريك uric acid. ووجود هذه الأحماض على
الجلد يثير حاسّة الشم لدى البعوض، ويغريه للهبوط على سطح الجلد.
وعملية الجذب هذه تحصل قبل وقت طويل من الهبوط على الجلد، لأن البعوض يستطيع تمييز الرائحة من بعد 50 مترا، وهو ما لا يُعتبر جيدا بالنسبة إلى الأشخاص الذين ينتجون كميات عالية من ثاني أكسيد الكربون، حيث
يقول الدكتور كونلون إن ثاني أكسيد الكربون جذاب للبعوض، حتى لو شعر به من مسافة بعيدة.
وهذا ما يفسر لماذا غالبا ينجذب البعوض نحو الأشخاص البالغين، مقارنة بالأطفال.
ومعلوم أن البالغين ينتجون كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون. وكذلك الحوامل أكثر عرضة لقرص البعوض، لنفس السبب.
وزيادة حركة الجسم تزيد من إنتاج حمض اللكتيك lactic acid وإفرازه عبر الغدد العَرَقية، ولذا فإن المتحركين والنشطين أكثر عرضة من الأشخاص الساكنين والهادئين، كما تزيد الحركة في إنتاج حرارة الجسم.
ويلخّص الباحثون من «مايو كلينك» الرأي الطبي في تحديد الأشخاص الأكثر عرضة لقرص البعوض، وهو ما يفيد جدا في الوقاية من الأمراض الميكروبية التي ينقلها البعوض، إضافة إلى الوقاية من إزعاج القرص الجلدي
نفسه.
ويقولون: ينتقي البعوض ضحاياه عبر تقييم الرائحة وكمية ثاني أكسيد الكربون والمواد الكيميائية الممتزجة بسائل العرَق على الجلد.
والبعوض أكثر احتمالا لقرص الرجال، والأشخاص الذين فصيلة دمهم «آو» O، والبدينين، وكذلك ينجذب البعوض إلى الحرارة، ولذا فإن ارتداء ملابس غامقة اللون حافظة لحرارة الجسم عن التبخر يزيد من عرضة انجذاب
البعوض.
الوقاية من البعوض
دون الحديث عن عمل الهيئات المتخصصة في الحفاظ على الصحة البيئية، فإن هناك الكثير مما يمكن فعله على المستوى الفردي لأحدنا، وبما أن الكل عرضة للمعاناة من قرص البعوض المنزلي، فإن الجهود للوقاية منها يجب
أن تتلاقى، وأن تكون موجهة بشكل منطقي نحو أربعة ميادين:
- القضاء على أماكن تجمعها وتكاثرها، وأهم هذه الأماكن هي المياه المتجمعة في أنحاء من البيت أو الحديقة أو المناطق المحيطة بالمنزل، حتى ولو كانت قليلة، ويجب التخلص من مياه المسابح غير المستخدمة، أو
الاهتمام بتعقيم المياه تلك بالكلور بالنسب الصحية والكافية لمنع استخدام البعوض لها كبيئة مناسبة للنمو والتكاثر، وعدم الإكثار من سقي النباتات المنزلية بكميات غير لازمة للنبات، والاهتمام بتجفيف المياه
السائبة في دورات المياه.
- العمل على منع دخول البعوض إلى المنزل، عبر استخدام أبواب ذاتية الإغلاق مباشرة بعد فتحها، وعدم ترك الأبواب مشرَعة دونما حاجة، ووضع أغطية من الشبكات المعدنية الضيقة الثقوب على النوافذ، والعمل على
إصلاح أي خلل في الأبواب والنوافذ ومجاري التهوية.
- اتباع وسائل الحيطة من التعرض لقرص البعوض، عبر ارتداء ملابس سابغة تغطي ما أمكن من الجسم، خصوصا عند الخروج من المنزل، واستخدام الناموسية (غطاء السرير) للكبار والصغار.
- اللجوء إلى استخدام أحد أنواع «طارد البعوض» mosquito repellents، والتي تحتوي على مادة «دي إي إي تي» DEET.
«طارد البعوض»
ودون خلط مع بخاخ القضاء على البعوض أو غيره من الحشرات الطائرة، هناك نوع آخر من مستحضرات إبعاد البعوض عن جلد الإنسان، وهو ما يتوفر على هيئة بخاخ أو سائل أو غيره.
و«طارد البعوض» المحتوي على مادة «دي إي إي تي» ثابت الفائدة، وآمن على صحة الإنسان، إذا ما وضع على الجلد وفق الإرشادات المرفقة بعبواته. وهو معروف كطارد للبعوض منذ أكثر من 40 عاما مضت.
وتؤكد أمانه منظمة الصحة العالمية WHO وإدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA والمراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية CDC، وتحديدا، آمن للرش على جلد أو ملابس البالغين والأطفال.
وتنص إرشادات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال على ضرورة استخدام الأنواع ذات التركيز المنخفض، أي 10 في المائة أو أقل، للأطفال الصغار جدا، أي الأكبر من عمر شهرين، وأنه ليس من الآمن استخدامه لمن هم دون
سن شهرين.
ومعلوم أن أكثر أنواع «طارد البعوض» تتوفر بتركيز يتفاوت ما بين 10 و30 في المائة، وهو ما يعرف بقراءة المكتوب على العبوة نفسها، وينصح باستخدام الأنواع ذات التركيز المنخفض، حينما يكون المرء في مناطق ليست
موبوءة بأمراض معدية ينقلها البعوض، بينما ينصح باستخدام الأنواع ذات التركيز الأعلى حين الوجود في مناطق انتشار الملاريا أو حمى الضنك مثلا.
وغالبا ما يستمر مفعوله في إبعاد البعوض عن الجلد أو الملابس، لمدة تصل إلى ما بين 5 و8 ساعات.
وفي السنوات القليلة الماضية، وتحديدا منذ عام 2005، بدأت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية بالولايات المتحدة، النصح باستخدام نوع آخر من طارد البعوض، وهو المحتوى على مادة «بيكارديان» Picaridin.
وهو لا يقل فاعلية عن مادة «دي إي إي تي»، ويمتاز عنها بأنه عديم الرائحة ويعطي شعورا خفيفا على الجلد، ولا فرق في النصيحة بعدم استخدامه للأطفال دون عمر شهرين.
إرشادات وكالة حماية البيئة الأميركية حول استخدام «طارد البعوض»
ـ احرص على معرفة كيفية الاستخدام عبر قراءة النشرة المرفقة بالعبوة.
ـ استخدام «طارد البعوض» هو لحماية الجلد حينما تكون خارج المنزل.
ـ ضعه فقط على الأجزاء المكشوفة من الجلد، ويمكن وضعه على الملابس الخارجية.
ـ لا تضعه على الجروح أو الجلد المصاب بتهيجات الحساسية.
ـ لا ترش الوجه مباشرة بالبخاخ، بل ضع كمية منه على يديك ثم أمسح وجهك، حماية للأجزاء الداخلية في العينين والأنف وا