السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا شك أن اللسان من أشد أعضاء الإنسان خطورة فقيل يعرف المرء من حديثه أو كلامه
فمنه يرفع بصاحبه إلى أعلى مراتب الإحترام والتقدير بين عامة الناس ومنه من يودى بصاحبه موارد التهلكة
قال ثابت بن قرة:
" راحة الجسم في قلة الطعام وراحة النفس في قلة الآثام وراحة القلب في قلة الاهتمام وراحة اللسان في قلة الكلام"
وقال لقمان الحكيم:" إذا كنت في الصلاة فاحفظ قلبك وان كنت في الطعام فاحفظ حلقك وإذا كنت في بيت الغير فاحفظ عينيك، وإذا كنت بين الناس فاحفظ لسانك"
وقال الإمام علي كرم الله وجهه:" اللسان سيف قاطع لا يؤمن من حده، والكلام سهم نافذ لا يؤمن رده"
وقال كذلك:" من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم ومن يدخل مداخل السوء يتهم"
وقال اكثم بن صيفي حكيم العرب المشهور:" عيوب الإنسان أكثر من أن تعد أو تحصى ولكن هناك خصلة واحدة إن استعملها الإنسان سترت عيوبه كلها وهي حفظ اللسان"
وأما سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال لمن سأله عن سبل النجاة فقال:" يا هذا امسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك"
وهو القائل صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل وقد أشار إلى لسانه وقال :" اكفف عليك هذا" فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" ثكلتك أمك ، وهل يكب الناس في النار على
وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"
نعم، انه اللسان به يسلم الإنسان في الدنيا والآخرة وبه يخسر، به يقدم وبه يؤخر، به ترتفع مكانة صاحبه بين الناس ويحبب إليهم إذا قال الكلمة الصحيحة في زمانها ومكانها ليصبح في أعين الناس رزين الطبع قوي
النفس، خفيف الظل لا يستغله احد، بخلاف صاحب اللسان المشرع الذي يكثر من اللغو والثرثرة ويتكلم فيما ينفع وفيما لا ينفع ويتحدث فيما يعلم وفيما لا يعلم، انه الذي سيبغضه الناس ويكرهون قربه، وينفرون من
مجالسته ويبتعدون عنه ما استطاعوا لذلك سبيلا. وليس هذا فحسب بل انه الإنسان محاسب على ما يتفوه به لسانه ومؤاخذ على ذلك عند الله تعالى. ولقد قال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".
انه اللسان هذا الذي به يعرف صاحبه وتنكشف سريرته، ولذلك فان سكوته وان صمت صاحبه دائما هو خير. وانه اللسان مغرفة القلب كما يقولون، فما في قلب الإنسان يخرج على لسانه، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
:" لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه".
فيقال إن أول ما ظهر من أمر لقمان وأول ما عرفت حكمته لما كان خادما عند سيده. وإن هذا ذبح شاة وأراد أن يختبر فطنة خادمه لقمان فقال له يا لقمان اذهب واطبخ لي أطيب ما في الشاة فذهب وطبخ له قلبها ولسانها
ثم احضرهما اليه فاكلهما، وفي اليوم التالي ذبح شاة ثانية وقال له اذهب فأتني بأخبث ما فيها فذهب وطبخ له لسانها وقلبها ثم احضرهما إليه فقال له سيده:"لقد أمرتك بأن تاتي بأحسن ما في الشاة فجئتني بقلبها
ولسانها وأمرتك أن تأتي بأخبث ما فيها فجئتني كذلك بقلبها ولسانها فكيف كان ذلك فقال له لقمان يا سيدي، إن هذين العضوين أطيب ما في الإنسان إذا طابا وأخبث ما فيه إذا خبثا فقال له سيده: والله انك لحكيم،
اذهب فأنت حر لوجه الله.
ولما كان من الكلام قبيح وأقبح، فاحش وأفحش وحسن وأحسن فإن الله سبحانه ندبنا إلى الكلام الأحسن فقال سبحانه
{ وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم}( الإسراء- 53)
إن أكثر مزالق ابن ادم هي من لسانه فإذا استقام لسانه استقامت جوارحه وان اعوج لسانه اعوجت باقي جوارحه ولذلك فقد تنبه الصالحون إلى خطورة اللسان وضرورة إمساكه لان انفلاته سيورد صاحبه موارد الهلاك ولقد
فهم ذلك سيدنا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه- قد رآه عمر بن الخطاب يخرج لسانه من فمه ويمسكه بطرف أصابعه فقال له عمر : ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ قال: "هذا أوردني الموارد " أي موارد الهلاك.
احفظ لسانك أيها الإنــــــــسان
لا يلدغنك انه ثعــــــــــــــــــــــــــبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان
ثم قال الشاعر الآخر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه
وليــــــــــــــس يموت المرء من عثرة الرِّجْل
فعثرته بالقول تودي برأسـه
وعثرته بالرِّجْل تبرأ علــــــــى مـــــــــــــــــــهل
ومن وصايا سيدنا لقمان لابنه قوله:
" يا بني إياك وفضول الكلام فإن هناك كلاما أقسى من الحجر، وأمر من الصبر، وأحر من الجمر وأنفذ من الإبر، واعلم أن القلوب حقول فازرع فيها طيب الكلام ومفيده، فإذا لم ينبت كله نبت بعضه واعلم أن اللغو منه
ضار بقائله وسامعيه وأنصف أذنيك من لسانك فان الله ما جعل لك لسانا واحدا وأذنين إلا لتسمع أكثر مما تقول واعلم أن أكثر الناس ذنوبا أكثرهم كلاما فيما لا يعنيه".