" حرب اليمن " مقدمة لنكسة 5 يونيه
بقلم د. ناجح إبراهيم
كانت حرب اليمن التي خاضتها القوات المسلحة المصرية في اليمن بداية من سنة 1962 إحدى المقدمات المهمة لهزيمة 5 يونيه 1967..
وتبدأ قصة تورط الجيش المصري في اليمن نتيجة السياسة المصرية التي انتهجها الرئيس جمال عبد الناصر وقتها والتي تقضي بمحاربة الأنظمة الملكية والتي كان يطلق عليها النظام الناصري وقتها (بالأنظمة
الرجعية).
وقد آلت مصر علي نفسها في ذلك الوقت بالقضاء علي هذه الأنظمة بكل الوسائل حتى إذا تطلب الأمر المساعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية لها.. ونشر المد الثوري في أرجاء الوطن العربي بل ومد ذلك إلي أفريقيا
في بعض الحالات..
وفي 26 سبتمبر سنة 1962 قامت الثورة في اليمن وطلب مجلس قيادة الثورة اليمنية مساعدات عسكرية من مصر حيث بدأت الأخيرة في الاستجابة لهذه الطلبات..
وفي 30 سبتمبر سنة 1962أرسل المشير عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة المصرية اللواء أ. ح. علي عبد الخبير ومعه بعض ضباط الصاعقة والمظلات وغيرهم إلي اليمن لمقابلة أعضاء مجلس قيادة الثورة
اليمنية ومعرفة طلباتهم.
ثم بدأت مصر في إرسال بعض الوحدات الفرعية من الصاعقة والمظلات للمعاونة في حماية الثورة.. ثم تطور الأمر سريعاً حيث ذهب المشير عامر ومعه الفريق أنور القاضي رئيس هيئة العمليات المصرية إلي اليمن وكلفوا
بمساعدة الثورة اليمنية بلا حدود..
وبذلك تطورت الأمور إلي حد بعيد حيث تدفقت القوات المصرية يومياً من القاهرة إلي صنعاء.. وبدأت مصر في إنشاء جسر جوي وبحري ضخم عبر آلاف الكيلو مترات لنقل الرجال والعتاد والأسلحة والمهمات والتعينيات
بل والذهب إلي أرض اليمن.
وقد وصل حجم القوات المصرية في اليمن إلي 130 ألف جندي.. ناهيك عن عشرات الآلاف من المعدات والذخائر.. حتى وصل عدد الذخائر المستهلكة 20مليون طلقه ذخيرة.. كما جاء في كتاب أوراق قائد ميداني للواء عبد
المنعم خليل.
وفي المقابل قامت السعودية ومعها بريطانيا وبعض الدول الأخرى بمساندة قوات الإمام المناهضة لثورة اليمن والتي تصدت للقوات المصرية بشراسة..
فقد نشرت الوثائق البريطانية التي صدرت منذ عدة سنوات عن المساعدات التي قدمتها بريطانيا للقوات اليمنية المناهضة للثورة والقوات المصرية وذلك بالأموال والأسلحة والتدريب والعتاد حتى لا تتحول اليمن إلي
موطأ قدم للأنظمة الثورية التابعة لعبد الناصر والتي كانت تهدد النفوذ الأوربي والأمريكي في منطقة الخليج.
وبذلك استمرت المواجهات المسلحة بين الفريقين دون غالب ولا مغلوب.. وبطريقة الكر والفر.. وباستخدام أسلوب حرب العصابات مثل نصب الكمائن والإغارات المتبادلة.. مما سبب خسائر كبيرة في صفوف الفريقين لاسيما في
أبناء الجيش المصري الذي اضطر في بعض الأحيان لاستخدام "النابالم"ونحوه وبعض الأساليب الأخرى لردع هؤلاء المقاتلين اليمنيين.. مثل الإغارة علي القرى وتدمير بعضها وقصف بعضها بالطيران والمدفعية..
الخ..
وبذلك تحولت حرب اليمن إلي حرب استنزاف مفتوحة وقاسية ليس فقط للاقتصاديات المصرية ولكن أيضاً لقواتها المسلحة.. علي حد قول اللواء أ . ح . د زكريا حسن مدير أكاديمية ناصر العسكرية.
وبذلك ابتعلت اليمن خيرة وحدات القوات المسلحة المصرية وأهلكت أفرادها ومعداتها وأسلحتها وطائراتها ..
وقد كان من سلبيات حرب اليمن الكبرى أن القوات المسلحة المصرية دخلت في حرب لا تناسب الجيوش ولكنها تناسب قوات الشرطة التي تصلح لتعقب العصابات.. فسرعان ما نسيت القوات المسلحة المصرية قتال الجيوش وفنون
الحروب المعروفة لتنغمس لمدة ست سنوات كاملة في حرب عصابات.. وكر وفر.. وهجوم وتعقب .. وقبض وتحقيق وتعذيب لا يصلح للجيوش.. وبذلك فقدت كفاءتها العسكرية وقدرتها القتالية وعادت إلي الوطن بعد هزيمة يونيه
سنة 1967 لتحتاج إلي إعادة تدريبها وتأهيلها من جديد للحروب الحقيقية وتكتيكاتها مع الجيوش.
قد يقول البعض: وما الذي دفع القيادة المصرية للتورط في اليمن ؟
الكثير يرجع السبب في ذلك إلي أن المشير عامر بالذات ومن خلفه عبد الناصر أرادا تغطية فشلهما وفشل الأول بالذات في مشروع الوحدة مع سوريا بمساندة الثورة في اليمن وإيجاد موطئ قدم لمصر الثورية في
اليمن تمهيداً لنشر الثورة وأفكارها في السعودية وما حولهما من إمارات الخليج الغنية بالبترول.
وقد باء التدخل العسكري المصري في اليمن بالفشل الذريع.. وقد ظهر هذا جلياً بعد هزيمة يونيه لسنة 1967حيث حرمت القوات المصرية من جزء هام منها كان يقاتل في معركة لا قيمة لها في الإستراتيجية العربية
لمواجهة العدو الرئيسي وهو إسرائيل.
وذلك كله جعل عبد الناصر يعقد اتفاقاً مع الملك فيصل ملك السعودية لسحب القوات المصرية من اليمن وتسوية النزاع بين الدولتين.
إن تجربة إرسال الجيش المصري إلي اليمن ظلت كابوساً يؤرق الساسة المصريين وكذلك العسكريين.. حتى أضحت درساً إستراتيجياً وثابتا من ثوابت السياسة المصرية الحديثة..
ففي عام 1982 وبعد وصول العلاقات بين ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية إلي مرحلة الصراع المسلح بعد ضلوع ليبيا في عدة عمليات ضد المصالح الأمريكية والغربية وتفجير طائرة TWA في لوكيربى .. حاول الرئيس
الأمريكي ريجان إقناع الرئيس المصري حسني مبارك باجتياح الجيش المصري للحدود الليبية والمساعدة في إسقاط النظام الليبي برئاسة معمر القذافى.. مع تكفل الولايات المتحدة الأمريكية بدفع كافة نفقات هذه الحملة
مع مساعدة مصر عسكرياً واقتصادياً وسياسياً.. ولكن الرئيس المصري رفض هذا العرض المغري بشدة.. ولو تورطت مصر وقتها في هذا الأمر لكررت مأساة حرب اليمن مرة أخري