هذا البحر ظل قروناً عديدة مجهول القرار سواء في غور أعماقه وفي اتساع رقعته أو في مداه اللامحدود فمنهم من ظن بعدم وجود أي شيء وراءه كون الأرض مسطحة
وليست كروية حسب اعتقادهم, وقديماً عندما وصلوا إلى المغرب توهموا أنهم وصلوا إلى نهاية الدنيا التي تقع على حافة المجهول الذي لا يمكن أن يفضي إلا إلى عالم آخر لا تستوعبه سوى تسمية اللامرئي والآخرة من
جهة ظنوا أن البحر يكتنفه الظلام من ناحية الغرب وتنتشر فيه الأفاعي الفتاكة كما يسيطر على سمائه طير الرخ الجارح وهو أحد الاساطير الاغريقية القديمة فارداً جناحيه ويغطيه لون الظلمة ويعتقد أنه العنقاء أما
من ناحية الجنوب فقد تخيلوا مياه المحيط تشتد حرارتها حتى تصل إلى درجة الغليان ثم ينتهي المحيط بهوة كبيرة تسقط عندها السفينة المغامرة إلى عالم مجهول ولكن رحلة الفتية المغرورين المشهورة تنفي الاعتقادات
والمخاوف من جراء الملاحة في بحر الظلمات وهؤلاء الفتية ثمانية رجال وكلهم أبناء عمومة ابتنوا مركبا أعدوا فيه من الزاد ما يكفيهم لأشهر ثم دخلوا بحر الظلمات من مدينة لشبونة قرروا المغامرة فيه بحثا عن
الجزر التي هلك من سبقوهم اليها ويقول الادريسي في ( نزهة المشتاق) إنهم وصلوا من لشبونة بعد اثني عشر يوما إلى بحر غليظ الموج كدر الروائح, كثير القروش,قليل الضوء فأيقنوا بالتلف ثم فروا قلاعهم في ناحية
الجنوب اثني عشر يوما اخرى فخرجوا إلى جزيرة الغنم وفيها من الغنم ما لا يعد ولا يحصى وهي سارحة من دون راع ولا ناظر اليها فقصدوا الجزيرة ونزلوا بها ووجدوا عين مياه جارية وعليها شجرة تين بري فأخذوا من
تلك الغنم وذبحوها ووجدوا لحومها مرة لا يقدر أحد على أكلها وعندما عادوا إلى الاندلس احتفى بهم أهل لشبونة وأطلقوا على الشارع الذي يسكنون فيه (شارع الفتية المغرورين).
أما ابن خلدون فيقول:(لما أنه تقل الأضواء من الاشعة المنعكسة على سطح الأرض من الشمس لبعده عن الارض فيكون مظلما ولفقدان الأضواء تقل الحرارة المحللة للأبخرة فلا تزال السحب والغيوم متكاثفة على سطحه
منعقدة هنالك متراكمة وتسميه الأعاجم بحر أوقيانوس وآخرون يسمونه بحر البلايا بتفخيم اللام الثانية.