حماية البيئة
المقدمة :
إن حماية البيئة، واجب كل إنسان، لأن المجتمع الراقي هو الذي يحافظ علي بيئته، ويحميها من أي تلوث أو أذي، لأنه جزء منها، ولأنها مقر سكناه وفيها مأواه، ولأنها عنوان هويته، ودليل سلوكه وحضارته، وكما يتأثر
الإنسان ببيئته فإن البيئة تتأثر أيضا بالإنسان.وجاءت التوجيهات الدينية حاملة بين طياتها الدعوة المؤكدة للحفاظ علي البيئة، برٌّا وبحرا وجوٌّا، وإنسانا، ونباتا، وبناء إلي غير ذلك من مفردات البيئة، لأنها
جميعا منظومة واحدة، لكيان واحد.فدعا الاسلام إلي الحفاظ على نظافتها وطهارتها وجمالها وقوتها وسلامتها، ونقاء من فيها والمحافظة عليه.ولقد خلق الله تعالى الإنسان وميزه عن سائر مخلوقاته بالعقل وأستخلفه في
الأرض بعد أن أودع فيها كل احتياجاته التي تعينه على استمرارية الحياة , فأخذ الإنسان يؤثر ويتأثر بما حوله من تلك الموارد الطبيعية والبيئات المختلفة , ورغم أن الحفاظ على البيئة يشترك فيها الجميع دون
حدود أو قيود ، إلا أن نظرة الإسلام للبيئة ومواردها الطبيعية تقوم على أساس منع الإفساد وحمايتها والمحافظة على مكتسباتها لتكون الحياة في حالة مستمرة من البناء والتنمية المستدامة . وفي حاضرنا أصبحت
البيئة وقضاياها وإدارتها وحمايتها تستقطب اهتمام العالم أجمع إذ أضحت كثير من بلاد العالم تواجه مشكلات تراجع وتناقص مدخراتها من الموارد الطبيعية وظهرت الكثير من مشاكل التلوث البيئي وخطر الانقراض للعديد
من أنواع الكائنات الحية . ولكوننا ليس بمعزل عن العالم نتأثر بما حولنا فقد أولت حكومة خادم الحرمين الشريفين يحفظه اللهاهتماماً كبيراً بحماية البيئة وإنماء مواردها وعملت على إيجاد توازن بين المتطلبات
والاعتبارات البيئية وترشيد استخدام الموارد المتاحة والتنمية والتطوير في مختلف المجالات.
الموضوع:
الباب الأول : تعريف البيئة وعناصرها ومكوناتها :
* الفصل الأول : تعريف البيئة :
هي كل ما يحيط بالإنسان من جماد مثل السماوات والأرض والجبال والوديان والبحار والتربة وماء وهواء وغازات، وما يحيط بالإنسان من حيوان وأنعام وطيور ونبات وورود وخضرة.
أي البيئة الطبيعية والحياتية كما خلقها الله وسخرها للإنسان واستخلفه عليها.
فالواجب على الإنسان المسلم المؤمن أن يشكر الله ويحمده على ما سخر له من بيئة وأن يحسن استخدام البيئة واستغلالها لمصلحته والبشرية بدون تدمير ولا تلويث وإفساد كما استخلفه عليها فهي أمانة في يده وتحت
تصرفه.
وقد سبق الإسلام في التأكيد على حماية البيئة والمحافظة عليها وإنمائها قبل صدور التشريعات والأنظمة الحديثة والاتفاقيات الدولية للحفاظ على البيئة وقد شرع الله في الكتاب والسنة التي جعلها الله لنا شرعة
ومنهاجاً في جميع شؤون الحياة بما في ذلك البيئة مثل المحافظة على الماء بعدم الإسراف في استخدامه وعدم تلويثه والمحافظة على النبات بعدم قطعه إلا للضرورة وزرعه لنأكل منه حبا وخضرة وفاكهة والمحافظة على
الحيوان والحياة الفطرية ورعايتها والرفق بها لنستفيد من لحمها وصوفها ولبنها وعسلها وبصلها.
فكل شيء في الأرض موزون فإذا أخل الإنسان بعنصر من عناصر البيئة أثر على العناصر الأخرى قال الله سبحانه وتعالى: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون}.
وقال تعالى: { إن كل شيء خلقناه بقدر }.
وقال تعالى: {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعم.
الفصل الثاني : عناصر البيئة ومكوناتها :
إن عناصر ومكونات البيئة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: عناصر ومكونات طبيعية كالماء والهواء والأرض والجبال والوديان والشمس والقمر والسماوات.
أما القسم الثاني: فهو البيئة الحية أو ما يطلق عليه الحياة الفطرية وتشمل الإنسان والحيوان والنبات ويستخدم الإنسان البيئة الطبيعية لحياته اليومية كاتخاذ البيوت واستخدام الماء الذي جعله الله حياة للناس
والحيوان والنبات، ونتيجة لهذا الاستخدام للموارد الطبيعية في الحياة الصناعية والزراعية يترك مخلفات وملوثات للبيئة تضر بها.
ولقد شرع الله في الكتاب والسنة ضوابط شرعية لحماية البيئة والمحافظة عليها وإنمائها ورعايتها فقال الله سبحانه تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وأدعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من
المحسنين}.
وقال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}.
الباب الثاني: مجالات حماية البيئة :
وقد نظم الإسلام حماية البيئة والمحافظة عليها وتنميتها بما قرره من مبادئ تحكم التشريع الإسلامي والسياسة العامة في مجالات حماية البيئة مثل:
1) إحياء الموات بزراعته والاستصلاح.
2) الحمى مثل حمى النقيع لخيل وجمال الصدقة الذي أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم في خارج المدينة المنورة.
3) تحديد الحرم في الأماكن المقدسة وذبح الحيوان والطيور في الصيد حول الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة ويحرم قطع النبات فيهما.
4) الحفاظ على المرافق العامة كالمياه والأنهار وغيرها من التلوث والاستخدام السيئ.
5) الوقف الشرعي عن طريق الهبة والتبرع والوصية من أجل خدمة الصالح العام وحماية البيئة والمحافظة عليها وإنمائها مثل التبرع بأرض وجعلها حديقة عامة وبناء المساجد والمدارس ووقف العمائر لصالح هذه
المرافق.
وهذه النظم الشرعية نص عليها الكتاب والسنة ومما تقدم يتبين لنا عناية الإسلام بالبيئة وأنه سبق المنظمات الدولية لحماية البيئة وإصدار الأنظمة والاتفاقيات المتعلقة بها.
فالشريعة الإسلامية مخزون ثقافي وشرعة ومنهاجاً للمسلمين في رعاية شؤون البيئة والحياة في الدين والدولة.
وما إصدار أنظمة وتشريعات البيئة والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة إلا تطبيقاً للشريعة الإسلامية التي تحث على المحافظة على البيئة ورعايتها بالحسنى والمحافظة عليها وإنمائها لخير الناس
والحيوان.
الباب الثالث : نطاق حماية البيئة في الإسلام :
يقصد بنطاق حماية البيئة: المدى الذي تمتد إليه هذه الحماية، ويتحدد هذا المدى من زاويتين:
الأول: تتعلق بنوعية المصالح محل الحماية•
والثانية: تتصل بنوعية المساس المحظور، بمعنى: هل يكتفي بالحماية من الاعتداء، أم تشمل الحماية منع خطر الاعتداء•
والبيئة المقصودة بحماية التشريع الإسلامي هي :
1ـ البيئة الطبيعية: أي الوسط الذي يحيط بالإنسان مثل الهواء والماء والتربة والأحياء التي تعيش في هذا الوسط من حيوانات وطيور، بالإضافة إلى النباتات المختلفة .
2ـ البيئة المشيدة: أي الوسط الذي ابتدعه الإنسان كالآثار والإنشاءات المدنية والسدود ، ولا خلاف بين العلماء على أن الشريعة الإسلامية تبني أحكامها على مصالح العباد وهذه المصالح من وضع الشارع الحكيم
.
الباب الرابع : جمال المنظر ونظافة البيئة:
ودعا الإسلام أتباعه إلي نظافة مظهرهم وشكلهم وشعرهم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: 'من كان له شعر فليكرمه'
فمن السنن تسريح الرأس والمحافظة علي حسن المنظر ونظافته وجماله، عن عطاء بن يسار قال: أتي رجل النبي صلي الله عليه وسلم ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه الرسول، كأنه يأمره بإصلاح شعره، ففعل ثم رجع فقال
رسول الله صلي الله عليه وسلم: 'أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان'
وهكذا كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يوجه المسلمين إلي المحافظة علي نظافتهم وحسن مظهرهم ومخبرهم وحسن التجمل في البدن والثوب، ولا يعتبر التجمل وحسن المنظر من الكبر، لأن النظافة والتجمل من الإيمان،
لما لهما من أثر بالغ علي حياة الإنسان علي نفسيته، وانشراح صدره في سائر أعماله وأموره.
وأما ما يتعلق بنظافة البيئة :فقد أمر الرسول صلي الله عليه وسلم بتنظيف الأفنية حيث قال:
'إن الله تعالي طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود'
ويحث الإسلام علي المحافظة علي البيئة، وتنحية الأذى عنها.
وكلمة الأذى تشتمل علي كل ما يضر ويؤذي مثل الشوك والحجر في الطريق والنجاسة وغير ذلك من كل ما هو مؤذ ومستقذر.
وإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، كما جاء في الحديث الذي قال فيه الرسول صلي الله عليه وسلم:
'الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان'
وهنا ندرك أن النظافة وتنحية الأذى عن طريق الناس لها ارتباط كبير بالإيمان بل إنها من شعبه التي لا يكتمل الإيمان إلا بها. وبهذا يتضح لنا، أن النظافة من الإيمان بحق.
وحرصا من الإسلام علي وقاية البيئة من الأذى أمر بالمحافظة علي الماء ونهي عن تلوثه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم، أنه نهي أن بجبال في الماء الراكد'، لأن البول في الماء الراكد الذي لا
يتحرك يلوٌث الماء ويفسده ويصبح مصدر عدوي ومرض وأذى لمن يستعمل هذا الماء الذي ألقي بالأذى فيه، بل ليس النهي مقصورا علي الماء الراكد بل أيضا كان النهي عن البول في الماء الجاري نهي رسول الله صلي الله
عليه وسلم أن يبال في الماء الجاري لأن فيه تلويثا للماء وإفسادا له كما نهي عن التبرز في الأماكن التي يمر بها الناس أو قد يجلسون عندها كأماكن الظل في الطريق وفي القرى ونحوها .
الباب الخ