مضار الفوائد البنكية :
1- انحراف النقود عن وظيفتها كمقياس أمين للقيم والحقوق والتبادل – وقد سبق توضيح ذلك – وفي ذلك يقول ابن القيم : (فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات، والثمن (النقد) هو المعيار الذي به يُعْرَف تقويم
الأموال، فيجب أن يكون محدوداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض؛ إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسِّلَع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات، بل الجميع سِلَعٌ، وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة
ضرورية عامة، وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة، وذلك لا يكون إلا بثمن تُقَوَّم به الأشياء، ويستمر على حالة واحدة، ولا يقومُ هو بغيره؛ إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض، فتفسد معاملات الناس، ويقع الخلف،
ويشتد الضرر، كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم، ولو جعلت ثمناً واحداً لا يزداد ولا ينقص بل تُقَوَّم به الأشياء ولا تقوم هي بغيرها لصلح
أمْرُ الناس...؛ فالأثمان لا تقصد لأعيانها، بل يقصد التوصل بها إلى السلع، فإذا صارت في أنفسها سلعاً تقصد لأعيانها فسد أمر الناس، وهذا معنى معقول يختص بالنقود)اهـ.
2- تحقيق الظلم في المجتمع ، وذلك لأن الربا سيء في توزيع الثروة بين أصناف المجتمع ، لأن ثروة المجتمع ستتجمع بأيدي قلة من المجتمع ، لأن صاحب رأس المال سيحصل على عائده سواء ربح المشروع أم خسر بخلاف
المنظم للمشروع ، ومثله سوء توزيع الثروة بين المقرض والمقترض.
3- إعاقة إقامة الاستثمارات في المجتمع ، أي أن الربا يمثل عائقا أمام الاستثمار الحقيقي والإنتاج الحقيقي ، فآكل الربا بدلا من أن يدخل أمواله في مشروعات ذات مخاطرة قد تعرض أمواله للخسارة فإنه يلجأ للربا
ليحقق الربح المضمون، والمنظم كما يقرر "كينز" يقارن بين كلفة التمويل: سعر الفائدة والكفاءة الحدية للاستثمار أو الربح الذي يتوقع المنظم الحصول عليه من العملية الاستثمارية، وحينما لا يكون الفرق
بين الكفاءة الحدية للاستثمار وسعر الفائدة كافيا لإقناع المنظم بالشروع بالاستثمار، فإنه لن يقدم عليه، وهذا يعني ان الفائدة اصبحت قيدا مؤسسيا على الاستثمار الحقيقي والطاقة الانتاجية التي ترتهن
به.
هذا بالإضافة إلى أن الربا عندما يدخل في المشاريع الاستثمارية ، فإن المنظم للمشروع لن يدخل المشروع إلا إن تأكد أن عائد الاستثمار أعلى من معدل الفائدة ، فإذا حدث وارتفعت أسعار الفائدة في الأسواق فإن
هذا سيكون عائقا أمام طريق الاستثمار .
يقول المفكر الألماني شاخت : (إنه بعملية رياضية – غير متناهية – يتضح أن جميع المال صائر إلى عدد قليل جداً من المرابين، ذلك أن الدائن المرابي يربح دائمـاً في كل عمليـة، بينما المدين معرض للربح
والخسارة، ومن ثم فإن المال كله في النهايـة لا بد بالحساب الرياضي أن يصير إلى الذي يربح دائماً) .
4- التمويل الربوي يرحّل كل مخاطر النشاط الاقتصادي الى ثلة من المنظمين، بعد ان يحتاط لمخاطرة الإقراض بالضمانات الكافية، ولأجل ذلك فالنشاط الاقتصادي يكون رهين بحالة التفاؤل أو التشاؤم التي
تسيطر على المنظمين، وهو أمر تسبب في دورات الاعمال في أحيان كثيرة. ولو انضم التمويل والعمل إلى التنظيم في تحمل مخاطرة النشاط الاقتصادي كما في المشاركة والمضاربة، لكان هذا أكثر أمانا وأدعى لتحقق
الأجواء الصحية للاستثمار، وهذا ما جعل المدرسة الألمانية تقول بالتمييز بين رأس المال الخامل (الربوي) ورأس المال النشيط المحمود. إن الكفاءة الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية تستدعي وجود هذا النوع من رأس
المال الذي يتحمل المخاطرة.
5- إخفاق الاقتصاد في تحقيق التوظيف الكامل للادخار ، وذلك عندما تنخفض أسعار الفائدة بدرجة كبيرة فينخفض الميل للادخار ، ومن ثم ينخفض حجم الاستثمار والتشغيل.
6- إن التمويل الربوي يفتقر الى الكفاءة الاقتصادية، لأنه لا ينطوي على دافع ولا على آلية لإعادة توجيه الموارد المالية إلى حيث الاستخدامات الأكثر جدوى اقتصاديا واجتماعيا؛ فالمكافأة العقدية
تكرس بقاء المورد حيث هو طالما حصل الممول على تلك المكافأة.
7- إن التمويل الربوي يتسبب بالدورات التي تعصف بالنشاط الاقتصادي، فقد أشار "ويكسل" إلى الاختلاف بين معدل الفائدة الطبيعي ومعدل الفائدة النقدي ودوره في إحداث الدورة التجارية، كما أشار
"فريدمان" إلى المتغير النقدي ودور الاضطراب في تدفقه في تفسير الازمات الاقتصادية، وما يعنيه ذلك من تراجع لفرص النمو وتبديد لها.
8- تعطيل الطاقة البشرية والمال ، إذ أن الربا يرغب في الكسل وإهمال العمل ، ويمنع الربا المال كذلك من الدوران والعمل .
9- توجيه الاقتصاد وجهة منحرفة ، إذ تسيل الأموال في اتجاه الربح الأعلى بغض النظر عما هو أنفع للمجتمع وبغض الطرف عن تحقيق الكفاءة الاقتصادية للدولة ، وفي ذلك يقول الإمام الدهلوي : (وإذا جرى الرسم
باستنماء المال بهذا الوجه أفضى إلى ترك الزراعات والصناعات التي هي أصول المكاسب) .