حُكمهــــــــــا:
كانت بلقيس سليلة حسبٍ و نسب، فأبوها كان ملكاً، و قد ورثت الملك بولاية منه؛ لأنه على ما يبدو لم يرزق بأبناء بنين. لكن أشراف وعلية قومها استنكروا توليها العرش وقابلوا هذا الأمر بالازدراء و الاستياء،
فكيف تتولى زمام الأمور في مملكة مترامية الأطراف مثل مملكتهم امرأة[2]، أليس منهم رجلٌ رشيد؟ و كان لهذا التشتت بين قوم بلقيس أصداء خارج حدود مملكتها، فقد أثار الطمع في قلوب الطامحين الاستيلاء على مملكة
سبأ، ومنهم الملك "عمرو بن أبرهة" الملقب بذي الأذعار. فحشر ذو الأذعار جنده و توجه ناحية مملكة سبأ للاستيلاء عليها و على ملكتها بلقيس، إلا أن بلقيس علمت بما في نفس ذي الأذعار فخشيت على نفسها، واستخفت
في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار. و عادت بلقيس بعد أن عم الفساد أرجاء مملكتها فقررت التخلص من ذي الأذعار، فدخلت عليه ذات يوم في قصره و ظلت تسقيه الخمر وهو ظانٌ أنها تسامره وعندما بلغ الخمر منه مبلغه،
استلت سكيناً و ذبحته بها[3]. إلا أن رواياتٍ أخرى تشير إلى أن بلقيس أرسلت إلى ذي الأذعار وطلبت منه أن يتزوجها بغية الانتقام منه، وعندما دخلت عليه فعلت فعلتها التي في الرواية الأولى[4]. وهذه الحادثة هي
دليلٌ جليّ وواضح على رباطة جأشها وقوة نفسها، وفطنة عقلها وحسن تدبيرها للأمور، وخلصت بذلك أهل سبأ من شر ذي الأذعار وفساده.
وازدهر زمن حكم بلقيس مملكة سبأ أيمّا ازدهار، واستقرت البلاد أيمّا استقرار، وتمتع أهل اليمن بالرخاء و الحضارة والعمران والمدنية. كما حاربت بلقيس الأعداء ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست قومها بالحكمة.
ومما أذاع صيتها و حببها إلى الناس قيامها بترميم سد مأرب الذي كان قد نال منه الزمن وأهرم بنيانه وأضعف أوصاله[5]. وبلقيس هي أول ملكة اتخذت من سبأ مقراً لحكمها.