و الصلاة في المقبرة مكروهة عند الجمهور غير المالكية، لنجاسة ما تحتها بالصديد ولما فيها من التشبه باليهود، كما في الحديث السابق: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا قبري بعدي مسجداً»
وقال المالكية: تجوز الصلاة بلا كراهة في المقبرة أي وسطها إن أمنت النجاسة.
قال الحنفية: تكره الصلاة في المقبرة إذا كان القبر بين يدي المصلي، بحيث لو صلى خاشعاً وقع بصره عليه. أما إذا كان خلفه أو فوقه أو تحته فلا كراهة على التحقيق، كما لا كراهة في الموضع المعد للصلاة بلا
نجاسة ولا قذر، ولا تكره الصلاة مطلقاً في أماكن قبور الأنبياء.
وقال الشافعية: تكره الصلاة في المقبرة التي لم تنبش، سواء أكانت القبور أمامه أم خلفه أم عن يمينه أم شماله، أم تحته، إلا مقابر الأنبياء وشهداء المعركة؛ لأن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد
الأنبياء، وإنما هم أحياء في قبورهم يصلون، كما أن الشهداء أحياء، إلا إن قصد تعظيمهم فيحرم. أما المقبرة المنبوشة فلاتصح الصلاة فيها بغير حائل ومعه تكره.
وقال الحنابلة: تحرم الصلاة ولا تصح في المقبرة واستثنوا صلاة الجنازة في المقبرة وعلى سطحها، فإنها تصح، وتجوز الصلاة لعذر، كأن حبس فيها.
تفصيل في مذهب الحنابلة :
وقالوا: المنع من هذه المواضع تعبدي، لا لعلة معقولة بوهم النجاسة ونحوه. ودليلهم العمل بنص رواية ابن عمر. هذا ماذكر في كشاف القناع. وقال ابن قدامة في المغني: الصحيح أنه لا بأس بالصلاة إلى شيء من هذه
المواضع (و هي المزبلة و قارعة الطريق و المجزرة و الحمام و معاطن الإبل ) إلا المقبرة؛ لأن قوله صلّى الله عليه وسلم : «جعلت لي الأرض مسجداً»
يتناول الموضع الذي يصلي فيه من هي في قبلته. لكن يكره أن يصلي إلى هذه المواضع( الحمام و المجزرة و معاطن الإبل قارعة الطريق )، فإن فعل صحت صلاته. وعليه يكون رأي الحنابلة كالجمهور.
ودليلهم على استثناء المقابر: حديثان صحيحان وهما: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك، وقال: لعنة الله على اليهود والنصارى،
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه مسلم والنسائي عن جندَب بن عبد البَجَلي. والثاني رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ: «قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (نيل الأوطار:136/2، الجامع
الصغير:80/2).
فلا تصح الصلاة إلى القبور للنهي عنها، ويصح إلى غيرها لبقائها في عموم الإباحة، وامتناع قياسها على ما ورد النهي فيه.
وقال الحنابلة: المقبرة: ما احتوت على ثلاثة قبور فأكثر في أرض موقوفة للدفن ، فإن لم تحتو على ثلاثة فالصلاة فيها صحيحة بلا كراهة إن لم يستقبل القبر، وإلا كره..
ولا تصح الصلاة عندهم في المقابر، لحديث أبي سعيد مرفوعاً: «الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام» رواه الأئمة عن أبي أيوب الأنصاري (نصب الراية:102/2).
وتكره الصلاة إلى المقبرة بلا حائل لحديث أبي مَرْثد الغَنَوي: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها» البدائع:115/1 ومابعدها، الشرح الصغير:267/1 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص49،52، مغني المحتاج:203/1،
حاشية قليوبي وعميرة:120/1، المهذب: 63/1، المجموع:164/3-168، المغني:67/2-76، كشاف القناع:341/1-349. .
وحديث ابن عمر: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً» رواه عبد بن حميد في مسنده، وابن ماجه والترمذي، وقال: إسناده ليس بذاك القوي، ففيه راو ضعيف (نيل الأوطار:138/2)..
وذلك سواء حدث المسجد بعد المقبرة أم حدثت المقبرة بعده، حوله أو في قبلته.
========
فالمذاهب مختلفة في الصاة بالمقبرة بين اباحة و حرمة و كراهة و اختلفوا في تفصيل الأحكام فيها .