هل يجوز قطع شجرة السدر أو أي شجرة مثمرة إذا كانت مضرة؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ورد النهي عن قطع السدر كما عند أبي داود والبيهقي والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار. صححه الألباني، وقد حمل أبو داود رحمه الله ذلك على السدر الذي يكون
بالفلاة يستظل به الناس، كما في الفتوى رقم: 2610.
وحمله بعض العلماء على سدر الحرم أو ما كان في ملك إنسان لأن عروة بن الزبير وهو راوي الحديث كان يقطع السدر ويتخذ منه أبواباً، قال هشام وأهل العلم مجمعون على إباحة قطعه، وسئل الشافعي عن قطعه فقال: لا
بأس لأنه صلى الله عليه وسلم قال: اغسلوه بماء وسدر.
قال البيهقي: والأولى حمله على ما حمله عليه أبو داود. وهو أن النهي والوعيد في من اعتدى على شجرة سدر أو نحوها مما ينتفع به الناس والدواب بظله أو ثمرته فلا يجوز قطعه ظلماً وعدواناً بغير حق. فإن كان عروة
يقطعه من أرض فيشبه أن يكون النهي خاصا.
وهذا الجمع أولى لما ورد من الترغيب في غرس الأشجار المثمرة التي ينتفع بها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها. رواه أحمد من
حديث أنس وصححه الألباني.
وقد نهى سبحانه وتعالى عن الإفساد في الأرض فقال: وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا {الأعراف:56}، وقال: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ
وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {البقرة:205}، وفي مسند أحمد من حديث ثوبان أنه صلى الله عليه وسلم قال: من قتل صغيراً أو كبيراً أو أحرق نخلا أو قطع شجرة مثمرة... لم يرجع كفافا. وكان صلى الله
عليه وسلم يوصي أمراء جيوشه فيقول: اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله ولا تغدروا.. ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة ولا تهدموا بناء. وكذلك في وصية أبي بكر رضي الله عنه كما في مسنده.
فالحاصل أنه يجوز قطع السدر إذا دعت حاجة إلى ذلك وكانت هنالك مصلحة في قطعه وكذلك سائر الأشجار المثمرة إذا كان في قطعها مصلحة أو دفع مضرة إلا أشجار الحرم غير الإذخر للنهي عن ذلك، وما كان ملكاً
لشخص فإنه لا يجوز قطعه بدون إذنه للنهي عن الاعتداء على ممتلكات الناس، ولو كان شيئاً يسيراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن قضيبا من أراك. أخرجه مسلم في صحيحه.
وأما قطع الأشجار المثمرة والسدر لمجرد العبث والاعتداء عليها بغير حق فإنه لا يجوز لكونه إفساداً في الأرض ينافي مأمورية الاستخلاف فيها وإعمارها، كما في قوله تعالى: هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ
وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا {هود:61}، وقطع الأشجار المثمرة عبثاً ينافي إعمارها، وأما للحاجة فإنه جائز كما ذكرنا.
والله أعلم.