بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ضي القمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فهذه مدة طويلة قد تعودت فيها على هذه العادة التي وصفتها بوصف هي أهلٌ له، لقد وصفتها بأنها عادة سيئة وإنها كذلك، فإنك تشعر الآن وكأنها قد كبلتك، فطوال هذه السنين المتطاولة قد تعودت عليها وأفرطت في
ممارستها حتى وصل بك الحال إلى أن تقوم بها ثلاث مرات في اليوم، ثم بعد ذلك منَّ الله عليك بأن تخفف من هذا الأمر حتى أصبحت الآن عازمًا على تركها وتريد التخلص منها وتبذل جهدك في ذلك، فهذا أمر قد أحسنت
فيه ولكن نود أن تلتفت فيه إلى أمر سيعينك غاية الإعانة: إنه أن تجعل نيتك في تركها لله عز وجل، أن تجعل مقصدك طلب مرضاة الله، فأنت تعلم أن الأصل في حكم هذه العادة هو المنع، فلابد أن تجعل من نيتك طلب
مرضاة الله عز وجل، وأن تجعل قصدك هو التقرب إليه، فأنت ستترك هذه العادة ليس لمخاطرها الصحية المحتملة فقط ولكن ستتركها ابتداءً طلبًا لما عند الله، لتكون ممن يترك الشيء لأجل الله، فحينئذ ستحصل فائدتين
جليلتين عظيمتين: فالأولى هي الأجر العظيم الذي يترتب على تركها لأجل الله عز وجل.
والأمر الثاني هو: أنك ستجد الإعانة من ربك بمنِّه وكرمه، فإن الله جل وعلا يعامل العبد بنيته وعمله، فإذا ظهر منك النية الصالحة وظهر منك العمل الصالح على أن تترك هذه العادة فإنك ستجد المعونة من ربك، بل
وستجد طريق تسهيل الإعفاف لك حتى ترى بنفسك قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}.
وهذا هو المبدأ الذي تبدأ به: إنه أن تترك هذه العادة لأجل الله، فإنك شابٌ مؤمن تحرص على طاعة الرحمن، وأنت تعلم أنه لابد لكي يكبح الإنسان جماح نفسه أن يستعين بربه، فلابد إذن من:
1- بداية قوية مع ربك وذلك بأن تفزع إليه، بأن تسأله الإعانة، بل أن تطلبه جل وعلا أن يمنَّ عليك بقوة النفس وشجاعة القلب وثباته حتى تتركها وحتى تتخلص منها: (رب أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر
عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر الهدى إليَّ، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شكَّارًا، لك رهَّابًا، لك مطواعًا إليك مخبتًا أواهًا منيبًا، رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت
حجتي واهد قلبي وسدد لساني، واسلُلْ سخيمة قلبي)، (لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ، وربُّ الأَرْض،
ورَبُّ العرشِ الكريمِ)، (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)، (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، (حسبنا الله
ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). فهذه من أعظم الخطوات ويليها العمل الصالح وهي الخطوة الثانية:
2- فتقرب إلى ربك بهذه الصلوات المفروضة التي من حافظ عليها فإنها ولابد ستنهاه عن الفحشاء وستنهاه عن المنكر، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}. وهذا يجعلك أكثر ثباتًا على طاعة الله، فإنك متى ما حرصت على طاعته جل وعلا ستجد الثبات والرسوخ والإعانة بل والسهولة في ترك أي محرم قد
تظن أنه يصعب عليك تركه، ومن ذلك أن تعلم أن الله جل وعلا قد أمرك بغض بصرك، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النظرة الفجأة فقال: (اصرف بصرك) رواه مسلم في صحيحه. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك والثانية
عليك) رواه أحمد في المسند.
وهذا في الحقيقة هو عين دوائك من الخروج من هذه العادة السيئة، فإنك متى ما غضضت بصرك وأخذت بطاعة الله عز وجل فقد حصَّلت أعظم سبيلين لنبذها وتركها، فإن غض البصر يورث نورًا في القلب ويورثك أيضًا بُعدًا
عن تهييج الشهوات إلى الحرام، فإن ما يعرض على شاشات التلفاز وعلى شبكات المعلومات وما يُرى في الواقع العام، فكل ذلك قد يثيرك ويهيج الشهوة لديك. فبغض بصرك تكسب راحة بالك وطمأنينة نفسك، فاحرص على هذا
الأمر فإن فيه خيرك وصلاحك وفلاحك - بإذن الله عز وجل – فيما تحاوله. والخطوة الثالثة هي:
3- الانتباه إلى الأفكار التي ترد على نفسك، فإن الإنسان قد يغض بصره ولكنه قد يجد صعوبة في أمر الشهوة التي ترد عليه لاسيما وهو شاب في مقتبل شبابه، فخير ما تقوم به هو التيقظ للأفكار، فلا تسترسل في تلك
الأخيلة التي قد تتخيلها بين عينيك ولا في تلك الأفكار التي قد تعرض لك هذه الأمور حتى تهيجك إلى الشهوة ويصعب عليك التصبر، فبتيقظك لهذه الخطرات تكون قد أخذت بزمام نفسك واستطعت أن تخرج من أثر هذه العادة
بمنِّ الله وكرمه. والخطوة الرابعة هي:
4- اشغل نفسك بالحق لئلا تشتغل بالباطل، فعليك بحفظ شيء من كتاب الله عز وجل، بالمشاركة الاجتماعية الصالحة، بمشاركة إخوانك في الله في الدعوة إليه جل وعلا، لتكون ذلك الشاب المؤمن الذي يصلح نفسه ويصلح
غيره والذي إذا تقدم إلى خطبة فتاة مؤمنة وجد أن الناس يتشرفون به وأنهم يفرحون بأن يصاهروه، فهكذا فلتكن يا أخي حريصًا على طاعة الله لتدخل في قول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ
وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}. والخطوة الخامسة هي:
5- الدواء النبوي الذي قال فيه – - صلوات الله وسلامه عليه -: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق على صحته.
فعليك بالزواج إذن استطعت إليه سبيلاً وابذل جهدك فيه، فقد وعدك الله جل وعلا بالغنى عليه كما قال تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. فبين جل
وعلا أن الزواج من أسباب الغنى ووعد بذلك، فقال: { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ} أي إن كانا المتزوجان فقراء فإن الله سيغنيهم من فضله جل وعلا، ولذلك قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "أطيعوا الله فيما أمركم
من النكاح ينجز لكم – أي يفي لكم - بما وعدكم به من الغنى" ثم تلا هذه الآية الكريمة. وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "عجبت لمن لم يلتمس الغنى في النكاح" أي عجبت لمن لم يطلب الغنى
بالزواج، ثم تلا هذه الآية الكريمة. وقال - صلوات الله وسلامه عليه -: (ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب والناكح يبتغي العفاف) أخرجه ابن ماجة في السنن. وإن لم تستطع لضعف القدرات
المادية مثلاً فعليك بالتصبر وعليك بأن تأخذ بإرشاد نبيك - صلوات الله وسلامه عليه – بأن تصوم بعض الأيام بحسب قدرتك واجتهادك، فإن هذا يهذب النفس ويخفض من قوة الشهوة في نفس الإنسان، فاحرص على ذلك فإن فيه
صلاحك وفلاحك - بإذن الله عز وجل - . والخطوة السادسة هي:
6- التيقظ لنفسك واستحضار رقابة الله عليك، فينبغي لك أن تتجنب ذلك، وأن تطيع ربك في سرك وعلانيتك، فعليك أن تتذكر أن الله جل وعلا مطلع عليك رقيب، فمن استحضر أن الله يراه وأنه مطلع على سريرته ويعلم خائنة
الأعين وما تخفي الصدور كان أدعى أن يترك ما حرم الله عليه، فيكفيه علم الله جل وعلا به، ولذلك لما سئل بعض الأئمة الصالحين؛ قيل له: كيف يستعان على غض النظر عن الحرام؟ قال: (بعلمك أن نظر الله إليك أسرع
من المنظور إليه)، فاستحضارك علم الله واستحضارك رقابة الله هو خير ما تقوم به، بل هو مقام الإحسان الذي قال فيه - صلوات الله وسلامه عليه -: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
وأن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يمنَّ عليك بالزوجة الصالحة التي تقر عينك وأن يجعلك من عباد الله الصالحين وأن يوفقك لما يحب ويرضى.
وبالله التوفيق.