تحقيقات: هل هناك مبررات للعمل به ؟
بغداد - سرحان محنه:
للوقت - عند الشعوب المتقدمة - حسابات اقتصادية معقدة قد يصل بعدها الى حساب قيمة او كمية المنتج بالثانية، واذا كان الكثير منا الى الآن - مع الأسف - لايدرك أهمية وقيمة الوقت فالسبب الأهم هو تخلف
حكوماتنا المتعاقبة عن التفكير في النهوض بشعوبها علميا واقتصاديا.
تاريخ التوقيت الصيفي
كان المفكر الاميركي بنيامين فرانكلين وراء فكرة التوقيت الصيفي حين نشر مقالا بصدد هذا الامر عام 1784 الا ان احدا لم يقم له وزنا آنذاك وفي عام 1907 اعاد وليام ويلليبت عرض الفكرة ثانية وقدمها الى
البرلمان الانكليزي عام 1908 لكنه رفضها ايضا، وبعد الحرب العالمية الثانية اضطرت الدول الاوروبية الى تعديل الساعة نظرا لطبيعة ما تركته ظروف تلك الحرب.
فكرة التوقيت الصيفي والشتوي تستند من الناحية العلمية على اساس يتصل بالعمل لاستثمار ما يسمى بـ (ساعات الذروة) في نشاط الانسان اعتمادا على ساعات النهار التي يحدد عددها المناخ طبقا لفصول السنة..
ففي البلدان شديدة البرودة يلجأ الى تأخير الوقت لساعة واحدة ويجري عكس ذلك في البلدان شديدة الحرارة.
خلال هذا التحقيق قال احد المواطنين: (يكاد العلم يتجاوز مفهوم عصر السرعة ونحن مازلنا نقطع المسافة بين مدينتين محليتين بزمن يوازي زمن المسافة بين بغداد ولندن!)
وقبل ان نستعرض اراء من التقيناهم لابد من الاشارة الى ان النزاع حول جدوى تطبيق العمل بالتوقيت الصيفي من عدمه مازال ساريا في كثير من بلدان الشرق الاوسط.
ففي مصر مثلا طبق العمل به منذ اوائل سبعينيات القرن الماضي وبعد اربعة عشر عاما لم يحسم الجدل حول الموضوع وقد الغي العمل به خمس مرات متتالية بسبب تضارب الاراء.
وفي تونس الغي العمل بنظام التوقيت الصيفي، ولم تعمل به اية دولة من دول الخليج العربي على الرغم من انها جميعا من البلدان الصحراوية، ونشير هنا الى ان اليابان حتى الربع الاول من العام الحالي لم تطبق
التوقيت الصيفي على الرغم من ان يوم 22 حزيران هو اطول ايام السنة وفيه تشرق الشمس في الرابعة والنصف صباحا وتغرب في السابعة مساء وقد نشرت رويترز بتاريخ 2005/3/18 خبرا مفاده ان اعضاء في البرلمان طالبوا
في تجمع من مختلف الاحزاب والمنظمات غير الحكومية العمل بنظام التوقيت الصيفي وطبقا للخبر فقد برر ذلك بانه سيوفر (930) مليون لتر من خام النفط و(400) الف طن من انبعاثات ثاني اوكسيد الكاربون.
آراء المواطنين
طرحنا امام عينة عشوائية من المواطنين سؤالا محددا: ما هي برايك دوافع العمل بالتوقيت الصيفي وهل ثمة مبررات علمية او عملية مقنعة لتطبيقه في العراق؟ فكان ان اختلفت وتناقضت الاراء.
* المواطن فخري الجبوري - دبلوم معادن منتسب سابق في التصنيع العسكري يقول:
ـ ما الذي يربط العراق بتوقيت شرق البحر الابيض المتوسط؟ مازلت اذكر ان قرار العمل بالتوقيت الصيفي في العراق اتخذه النظام في نهاية السبعينيات عندما كان التصنيع العسكري في اوج استعداده للتصنيع الحربي ولم
يكن النظام يحسب استثمار الوقت اقتصاديا لصالح البلاد او الناس وانما لامتصاص طاقات العاملين في كل ساعات النهار لتنفيذ برامجه المتعلقة بالانتاج الحربي) ثم يضيف (ان من مساوىء هذا التوقيت في العراق انك
تنهض مبكرا في الذ ساعات النوم ثم تجد ان الليل قد حل في الثامنة والنصف مساء وما احوجنا الى ساعات الليل آنذاك في المجتمع العراقي!)
* اما السيد حسين البيضاني - بائع في الشورجة فيقول:
ـ لا يهمني اذا تقدم الوقت ساعة او تأخر فأنا اصلا لا اضع ساعة في يدي وعندما يؤذن المؤذن انهض للصلاة ثم اخرج الى العمل ولا اعود الا عصرا فاغتسل واتعشى ثم انام!
* اما المهندس الزراعي ابو فاتن - صاحب محل لبيع المستلزمات الزراعية فيقول:
ـ لو لم تكن العملية علمية لم يتم العمل بها في كثير من البلدان.. واعتقد ان القضية تتصل بالانتاج في المصانع التي يعتمد عليها في اقتصاد البلدان المنتجة.
اما هنا فلا اظن ان ثمة اهمية لها لسبب بسيط هو اننا شعب استهلاكي الان ولانكاد ننتج شيئا واغلب موظفي وعمال المصانع يعيشون بطالة مقنعة ومن بقي خارج مؤسسات الدولة يحسب الارباح اليومية فقط ولا يقيم وزنا
للوقت.
* اما الحاج ابو خزعل حارس في منطقة جميلة فيقول:
ـ في البيت ساعتان وفي كل عام عندما يبدأ توقيت (عبدالله) فأن ساعة واحدة ابقيها على توقيت (الله) لان من دونها ترتبك علي مواعيد الصلاة والذهاب الى العمل!!
* اما د. حيدر حميد - طبيب مقيم فيرى:
ـ القضية مبررة اذا كان دوام العمل ينقسم الى مرحلتين صباحية ومسائية فالفترة من شروق الشمس وحتى قبل الظهر تشبه في درجات الحراراة من العصر وحتى المغرب وهذا ينطبق على بعض الاعمال وليس كلها وفي فترات
معينة يكون الانسان في اوج النشاط لكي يكون منتجا ويميل الى الكسل في ساعات اخرى.
* اما ايناس - من قسم الجغرافية في كلية الاداب فتقول:
ـ اذا طبق العمل بهذا التوقيت او لم يطبق فلا اعتقد ان للامر اهمية فما يجب ان يتغير هو ساعات بدء وانتهاء الدوام بالنسبة لبعض الاعمال الشاقة فالاعمال الوظيفية في دوائر الدولة يفترض ان تتم تحت ظروف حسنة
- ان لم تكن مكيفة - فما الداعي لتعميم القضية على الجميع.
* السيد جبر كريم - مدرس اجتماعيات يقول:
ـ مازالوا يتخذون قرارات عامة دون اخذ راي احد من الناس، نظام صدام لم يقنع احدا بالتوقيت الصيفي.. اليس من الصحيح طرح ندوة توضيحية عن اهمية القضية من الناحية العلمية والعملية قبل اتخاذ القرار.. انا
شخصيا تضررت في راحتي لاني خسرت ساعة من نومي صباحا وخسرت ساعة في الليل ايضا فما ان تختفي الشمس حتى تجد ان الليل قد انتصف.. اريد ان اقتنع بجدوى الامر من الناحية العملية.
* اما سعد ماهر عثمان - مهتم بعلم الفلك فيقول:
ـ لا اعتراض لدي على تطبيق التوقيت الصيفي ولكن على الجهات المعنية الانتباه الى ان العراق لولا دجلة والفرات فهو منطقة صحراوية اسوة بدول الخليج العربي ثم لماذا لا تطبق هذه الدول الامر في بلدانها مع انها
متقدمة مدنيا عنا وهناك العديد من الشركات العالمية فيها.
ويعتقد ان تطبيق التوقيت في زمن النظام السابق ارتبط باحداث ازعاج للمواطن لا اكثر.. وحاليا لا اجد ضرورة للامر فالناس تقفل محالها وابوابها بعد الساعة السادسة مساء فكيف اذا كانت الشمس تغيب في الساعة
الثامنة والنصف؟!
في كلية الاداب بجامعة بغداد التقينا الدكتور عبدالعزيز محمد حبيب استاذ الجغرافية وقال عن فكرة ومبررات العمل بالتوقيت الصيفي في العراق:
ـ (فكرة التوقيت الصيفي طبقت في كثير من دول العالم وهي فكرة لها علاقة بالطاقة الضوئية خلال ساعات النهار ودرجة الحراة فما يفترض ان الانسان ينهض من النوم بما يتناسب مع شروق الشمس ففي اوج النهار في الصيف
يكون شروق الشمس بين الخامسة والسادسة صباحا اذا بقي التوقيت الشتوي ساريا ومن غير المعقول ان يبدأ يوم العمل بعد ساعتين الى ثلاث ساعات بعد شروق الشمس ولهذا فان الهدف الاول من عملية الانتقال الى التوقيت
الصيفي هو استثمار ساعات النهار منذ بدء شروق الشمس والفوز بساعة واحدة له حسابات اقتصادية تتصل بتخطيط الوقت).
بقي ان اشير الى ان الامر اضطرني الى مراجعة الانترنيت لاستجلاء الحقائق العلمية والتطبيقية حول التوقيت الصيفي فوجدت ان تشعب هموم العراقيين حاليا جعلتهم يغضون الطرف عن الجدل في هذه القضية.
(ان ما لم يقدم الينا الان كشعب يسعى نحو التقدم والديمقراطية هو ان نفهم القرارات فمن غير المعقول ان تبقى قرارات الحكومة الجديدة تصدر دون اجماع) - هكذا قالت السيدة سعاد محمد ـ مدرسة علوم واضافت (هكذا
على هواهم يغيرون العلم ثم على هواهم يغيرون الساعة.. هذا لا يجوز).
ردود افعال
في كثير من دول الشرق الاوسط جرت مناقشات واسعة وحادة حول التوقيت الصيفي انتهت الى آراء متضاربة حتى ان رئيس الوزراء المصري د. عاطف عبيد تدخل واعلن في عام 2002 (ان الحكومة ستعيد النظر في هذا النظام) كما
نشرت الاخبار المصرية في عددها المرقم 15596 في 22 نيسان عام 2002.
ان ما اردنا ان نلفت النظر اليه بعد ذلك هو التأثير الصحي السلبي على الانسان.
فقد ذكر الطبيب المصري د. جمال عوردون استشاري الغدد الصماء بأن (التوقيت الصيفي ضار بالصحة ومكدر للحياة الطبيعية لانه يؤدي الى احداث خلل في جهاز التوقيت الداخلي للانسان (الساعة البيولوجية) حيث ان هناك
تغيرات حيوية تحدث عند بزوغ ضوء الشمس منها افرازات الغدد وسيطرة المركز المخي المنظم للحرارة وقد نظمت الطبيعة هذا التغير النمطي للظلام والنور بشكل تدريجي طبقا لاختلاف الايام) وفي رأيه فأن (التوقيت
الصيفي يعمل على احداث خلل فسيولوجي يغير من افرازات الغدد والانزيمات ويؤثر على الجهاز العصبي فينعكس بشكل كبير على المراكز الخاصة بالنوم والذي يتطلب وقتا طويلا للتاقلم والتعود على المتغيرات غير
الطبيعية التي تطرأ على الانسان) والمشكلة كما يبدو (ان الانسان ما ان يتكيف لذلك حتى يكون قد انتهى العمل بذلك النظام والعودة الى التوقيت الشتوي) وهذا علميا يؤدي الى العديد من الاضطرابات الهرمونية
والانزيمية والنفسية.
اخيرا لابد من القول ان المتغيرات على الصعيد السياسي والتهيؤ للمرحلة اللاحقة تتطلب مراجعة دقيقة للاقتناع بجدوى هذا التوقيت او الغائه.
http://www.alsab