السيدة أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما
***عندمارات ابنها البطل عبدالله ابن الزبير رضى الله عنه مصلوبا
*** اثناء حربه مع الحجاج
**********
بعد وفاة يزيد بن معاوية بويع لعبد الله بن الزبير بالخلافة في الحجاز واليمن والعراق وخراسان، وظل تسع سنوات ينادَى بأمير المؤمنين، حتى شاءت الأقدار أن تزول الخلافة من أرض الحجاز. جاء الحجاج بجند الشام
فحاصر ابن الزبير في مكة، وطال المدى، واشتد الحصار، وتفرَّق عنه أكثر من كان معه، فدخل عبد الله على أمه في اليوم الذي قُتل فيه، فقال لها: يا أماه، خذلني الناس حتى ولدَاي وأهلي، فلم يبق معي إلا اليسير
ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا فماذا ترين؟ وهناك أمسك التاريخ بقلمه ليكتب موقف الأم الصبور من ابنها وفلذة كبدها، من لحظة حاسمة من لحظات الخلود: الأم التي شاب
رأسها ولم يشب قلبها، وشاخ جسدها ولم يشخ إيمانها، وانحنى ظهرها ولكن عقلها ظل مستقيمًا مسددًا، قالت أسماء: أنت والله يا بني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو، فامض له فقد قتل عليه أصحابك،
ولا تمكِّن من رقبتك غلمان بني أمية يلعبون بها، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك، وأهلكت من قُتل معك، وإن قلت: كنت فلما وهن أصحابي ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار، ولا أهل الدين، وكم
خلودك في الدنيا؟! القتل أحسن. قال: إني أخاف أن يُمَثِّل بي أهل الشام. قالت: وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها. فدنا ابن الزبير فقبَّل رأسها وقال: هذا والله رأيي، والذي قمت به داعيًا إلى يومي هذا، ما ركنت
إلى الدنيا، ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحل حرمته، ولكني أحببت أن أعلم رأيك فزدت بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أماه فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك. قالت: إني
لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنًا. قال: جزاك الله خيرًا، ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك الظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبرَّه بأبيه وبي، اللهم قد سلَّمته لأمرك فيه، ورضيت
بما قضيت فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين، وذهب عبد الله فقاتل الساعات الأخيرة قتال الأبطال، وهو يتمثَّل صورة أمه في عينيه، وصوتها في أذنيه، مرتجزًا منشدًا: أسماء يا أسماء لا تبكيني لم يبق
إلا حسبي وديني وصارمٌ لانت بـه يميني وما زال على ثباته حتى قُتل، فكبر أهل الشام لمقتله، فبلغ ذلك ابن عمر فقال: الذين كبروا لمولده خير من الذين كبروا لموته