لكي لا اظلم العربان بسبب الجبلة التي جبلوا عليها والتي هي الجهل فاني اسامحك مسامحة الصنديد لعبده الضعيف لهذا سأتجاوز تراهاتك حول الامازيغ ولكن سأصحح
عقلك الذي هم مملوء بقيح الغباء والجهل واصفيه من دنس غائط الابل وبوله و مؤخرتك من مني الرجال
يلاحظ بكل موضوعية أن منطقة تامازغا بكل تجلياتها الثقافية والحضارية والعمرانية والاقتصادية أقرب إلى البحر الأبيض المتوسط منها إلى أفريقيا التي لا تفصلها عنها سوى الصحراء الكبرى. ويقول في هذا النطاق
شارل أندري حوليان:” إن بلاد البربر جزء من الأبيض المتوسط الغربي، أكثر مما هي جزء من أفريقيا. فقد كانت لهما العلاقات الأكثر عددا والأكثر غنى مع إيطاليا وإسبانيا… حتى إن من بين القدماء من يجعلها في
أوروبا. ويقول لوكان Lucain:” إذا أردت أن تصدق القول المشهور، فإن القسم الثالث من العالم هو ليبيا. ولكن إذا اعتبرت الرياح والسماء فستنظر إليها كجزء من أوروبا”[4].
ويتبين لنا من كل هذا أن الثقافة الأمازيغية قديما وحديثا كانت ثقافة متوسطية المصادر والملامح والأبعاد، وكانت تحمل في طياتها بكل وضوح جدلية التأثير والتأثر.
q تجليات البعد المتوسطي في الثقافة الأمازيغية:
يتمظهر البعد المتوسطي في الثقافة الأمازيغية القديمة بكل وضوح وجلاء في مجموعة من الإسهامات الفكرية والأدبية والفنية والعلمية والدينية التي قام بها أبناء منطقة تامازغا، وذلك من خلال الانفتاح على ثقافات
وحضارات ولغات وعادات وتقاليد وأعراف ومنجزات شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط عبر جدلية التأثير والتأثر…
1- الثقافة الأدبية:
من يتصفح ما كتبه المبدعون الأمازيغيون في المرحلة اللاتينية، فسيندهش بلا ريب لما تركه هؤلاء المثقفون الجهابذة والعلماء الفحول من بصمات ثقافية جلية في مجال الشعر والخطابة والبلاغة والسرديات. وكان لذلك
تأثير كبير واضح على جل المثقفين والمبدعين في دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وخاصة في روما، باعتبارها العاصمة الإدارية والثقافية للإمبراطورية الرومانية. وهذا ما جعل الثقافة الأمازيغية القديمة تتبوأ
مكانة متميزة إلى جانب الثقافات المتوسطية الأخرى، بل يمكن القول بدون مبالغة بأنها كانت أيضا ثقافة ذات بعد عالمي وإنساني في تلك الفترة، مادامت تتوسل بمجموعة من القنوات التعبيرية كاللغة اليونانية واللغة
البونيقية واللغة اللاتينية .
ومن أهم الشعراء الذين كان لهم باع كبير في مجال الشعر، لابد من ذكر: منيليوس الذي اشتهر بقصائده الشعرية في تناول مواضيع ميتافيزيقية تتعلق بالغيب ومعرفة الطالع، وكانت منظوماته الشعرية تجمع بين الأسلوب
الخطابي والتدفق الحماسي . وهناك أيضا الشاعر فلوروس الذي كاد أن يجن عندما لم يحرز على جائزة الشعر في مهرجانات الكابيتول.[5] ولا ننس أيضا المثقف الأمازيغي الكبير أفولاي أو أبوليوس النوميدي الذي كان
شاعرا متنوع الأغراض والمقاصد كما يتضح ذلك في ديوانه الشعري:” الأزاهير“. ويعترف أفولاي بموهبته الشعرية بقوله:” اعترف بأني أوثر من بين الآلات شق القصب البسيط؛ أنظم به القصائد في جميع الأغراض الملائمة
لروح الملحمة أو فيض الوجدان؛ لمرح الملهاة، أو جلال المأساة. وكذلك لا أقصر؛ لا في الهجاء، ولا في الأحاجي؛ ولا أعجز عن مختلف الروايات، والخطب يثني عليها البلغاء؛ والحوارات يتذوقها الفلاسفة؛ ثم ماذا بعد
هذا كله؟ إني أنشئ في كل شيء؛ سواء باليونانية أم باللاتينية؛ بنفس الأمل، ونفس الحماس، ونفس الأسلوب”.[6]
و إذا انتقلنا إلى مجال السرديات، فلابد من ذكر أفولاي أو أبوليوس Apuleius النوميدي مرة أخرى، والذي تأثر كثيرا بالثقافتين: اليونانية والرومانية، فكتب أول رواية في تاريخ الفكر الإنساني، وهي
رواية:”الحمار الذهبي” في أحد عشر جزءا. وتتخذ هذه الرواية طابعا اجتماعيا فانطاستيكيا قائما على السخرية والنقد والامتساخ والتحول، والتعريض بممارسة السحر كما يدل على ذلك كتابه المشهور :” في
السحر“.
ولا يعني هذا أن رواية ” الحمار الذهبي” لأبوليوس باعتبارها أول نص سردي ظهر في تاريخ الفكر الإنساني، لم يوجد مثله في الفكر اليوناني. بل إن أبوليوس يشير داخل متنه الروائي إلى مجموعة من النصوص السردية
الروائية والقصصية والمستنسخات الحكائية الإغريقية التي تأثر بها تناصا واستلهاما وامتصاصا واستفادة. بيد أن تلك النصوص السردية اليونانية ضاعت، ولم يصلنا أي شيء منها مع الأسف. لذا، يبقى نص أبوليوس في
مجال السرديات بمثابة أول رواية كان لها إشعاع كبير في الثقافتين: المتوسطية والعالمية . مع العلم أن هذه الرواية قد طرحت جدالا ثقافيا فكريا على مستوى لغة كتابتها: فهل كتبت الرواية باللغة اليونانية أو
باللغة اللاتينية أو باللغة البونيقية أو كتبت باللغة الأمازيغية المحلية؟!!![7]
تحديث للسؤال برقم 1
ونستحضر في هذا المجال أيضا يوبا الثاني الذي أورد في موسوعته “ليبيكا” قصة أو حكاية أمازيغية مشهورة تسمى بقصة ” الأسد الحقود“. ويرى محمد شفيق في هذا السياق أن تلك القصة الأمازيغية
ما تزال الجدات في البوادي المغربية إلى يومنا هذا يقصصنها على أحفادهن باللغة الأمازيغية في ليالي السمر من فصل الشتاء [8]. ويعني هذا أن المبدعين الأمازيغ كانوا سباقين في مجال السرديات بصفة عامة بما
فيها : القصة والحكاية والخرافة والأحجية والأسطورة والرواية.
هذا، ويشتهر القديس أغسطينيوس في مجال السيرة الذاتية بكتابه:”اعترافات التوبة“، والذي أصبح في تاريخ الثقافة الإنسانية أول كتاب في الأوطوبيوغرافيا، وقد أثر تأثيرا واضحا على “ اعترافات ” جان جاك روسو.
ويقول شارل أندري حوليان في هذا الصدد:” ومما يؤسف له أنه لم يبق لنا من مئات عديدة من خطب القديس أغسطينيوس إلا مائتان وست وسبعون (276) رسالة لها أهمية كبيرة بالنسبة للتاريخ الديني ولفهم نفسية صاحبها.
غير أننا نجد القديس أغسطينيوس بكليته في كتابه” اعترافات” النابض صدقا وشعورا ، الطافح وجدانا وإن لم يخل في بعض الأحيان من أسلوب خطابي . وقد كتب هذا الكتاب في السنوات الأخيرة من القرن الرابع، ولاشك أن
يكون كتب في أواخر سنة 397 أو أوائل سنة 398. وليس هو أول تأليف يترجم الكاتب فيه عن نفسه سواء في الأدب الروماني المطبوع بطابع الدين أو بطابع الدنيا، لكنه لم يسبق أن كتب كاتب صحائف في مثل تلك العاطفة
المتأججة، وبذاك الأسلوب الخالي من كل تصنع. فجان جاك روسو وحده هو الذي مضى إلى أبعد من ذلك في الاعتراف بخطاياه. وإن كان روسو قد أراد الكشف إلى إخوانه البشر عن رجل في أجلى مجالي الطبيعة، فإن القديس طمح
إلى أسمى من ذلك، فلقد اعترف بمساويه في خضوع متناه ليبين أن الإنسان إذا هو اعتمد على قواه الذاتية وحدها وقع في الخطيئة لا محالة ، فكان تأليفه تمجيدا للذات الإلهية يسوده حق من التوتر لا يرحم تتحطم معه
الأعصاب. غير أن نجاح هذا التأليف لم يبله الدهر منذ خمسة عشر قرنا.”[9]
وهكذا، نستنتج بأن أغسطينيوس أول من كتب السيرة الذاتية في الثقافة الإنسانية، وقد اعترف الغرب بذلك أيما اعتراف، وذلك بكتابه:” اعترافات التوبة”، وقد ساهم بهذا الكتاب في انتشار جنس السيرة الذاتية، و
انتعاش الأطوبيوغرافيا بين مثقفي ومبدعي دول حوض البحر الأبيض المتوسط، بل أصبح كتاب:” الاعترافات” مرجعا يحتذى في كتابة السيرة الذاتية والسيرة الغيرية في الآداب الإنسانية بصفة عامة.
تحديث للسؤال برقم 2
أما إذا تحدثنا عن أهم الخطباء الأمازيغ الذين عرفوا بقوة الفصاحة ، وسلاسة الكلمة، ونصاعة البيان، وروعة البلاغة، فلابد من استدعاء مجموعة من الأسماء والشخصيات الفذة ، مثل: كرنيتوس،
وأفولاي، وسبيتيموس سواريوس، وفلوروس، وفرونتيوس، وأغسطينيوس…
2- الثقافة الفنية:
ساهم الأمازيغ سواء أكانوا مثقفين أم ملوكا في خدمة الفنون الجميلة، فأسسوا البنيات التحتية لذلك، حيث وجدنا مجموعة من المسارح التي بناها الرومان في منطقة تامازغا، كمسرح قرطاج بتونس، ومسرح صبرانة بليبيا،
ومسرح تيمكاد ودقة وتيبازة بالجزائر، ومسرح ليكسوس بالعرائش. بل أكثر من ذلك فقد أعطى يوبا الثاني اهتماما كبيرا للفنون الجميلة. وفي هذا الصدد يقول شارل أندري حوليان في كتابه” تاريخ أفريقيا الشمالية”:”
كان عدد المسارح في أفريقية يفوق عدد الملاعب ، وكان مسرحا تيمقاد ودقة منحوتين في ربوة كما هو الشأن في اليونان، أما مسرح تيبازة فقد كان بالعكس مبنيا ، ومن الممكن أن يتبين المرء إلى اليوم في مسرح تيمقاد
الثقب المستطيلة الشكل التي كانت تمكن من تحريك الستار. وكان مسرح دقة المشيد في عهد مرقس أوريليوس يحتوي على 21 مدرجا تنقسم إلى ثلاثة أقسام بواسطة درابزين. وتوجد في مؤخر الركح خمس درجات كبرى توضع فوقها
مقاعد متنقلة. ويتركب الجانب الأمامي من الركح من مشاك عديدة لا تزال ماثلة إلى اليوم. وكان طول الركح 75.36م وعرضه 50.5م مفروشا بفسيفساء، تحملها ترابة معتمدة على أقبية. وكانت توجد ثلاثة أبواب في الجدار
الخلفي من الركح كما يوجد بابان على جانبي الركح يمكن منهما التوصل مباشرة إلى مجموعة من الأعمدة قائمة أمام المسرح”.[10]
تحديث للسؤال برقم 3
وكان الشباب والطلبة الأمازيغ من الطبقة الثرية والأرستقراطية في المرحلة اللاتينية يقضون معظم وقتهم في المسارح، كما هو الحال في مدينة قرطاج المعروفة بمسارحها وملاعبها ومدارسها
العديدة:” وكان الطلبة – يقول شارل أندري حوليان- ينحدرون بصفة عامة من الطبقة الأرستقراطية القاطنة في البلديات. وكان بعض الأغنياء يشمل أحيانا برعايته أحد الشبان البربر النجباء، فيمكنه من تنمية ملكاته
في قرطاج. ولم يكن هؤلاء الشبان جميعهم، مثلا يحتذى في المواظبة والفضيلة. فكانوا يرتاد