من أعجب الأشياء: أن تعرف الله ، ثم لا تحبه ! وأن تسمع داعيه ، ثم تتأخر عن الإجابة ! وأن تعرف قدر الربح في معاملته ، ثم تعامل غيره ! وأن تعرف قدر غضبه ،
ثم تتعرض له ! وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ، ثم لا تطلب الأنس بطاعته ! وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه، ثم لاتشتاق إلى انشراح لصدر بذكره ومناجاته !
وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه، والإنابة إليه !
وأعجب من هذا علمك أنك لابد لك منه وأنك أحوج شيء إليه، وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب !
وقال :: اعلم ان الحسرة كل الحسرة الاشتغال بمن لايجر عليك الاشتغال به الا فوت نصيبك وحظك من الله عز وجل ، وانقطعك عنه ، وضياع وقتك عليك ، وضعف عزيمتك أغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء: اشتغالهم
بالنعمة عن شكرها ورغبتهم في العلم وتركهم العمل والمسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة والاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بفعالهم وإدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها.
أصول الخطايا كلها ثلاثة: الكبر وهو الذي أصار إبليس لى ما صار إليه، والحرص وهو الذي أخرج آدم من الجنة، والحسد وهو الذي جرأ أحد بني آدم على أخيه، فمن وقي شر هذه الثلاثة فقد وقي الشر فالكفر من الكبر
والمعاصي من الحرص والظلم من الحسد اخسر الناس صفقة من اشتغل عن الله بنفسه، بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس ومن عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه دخل الناس النار
من ثلاثة أبواب: باب شبهة أورثت شكا في دين الله وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعة الله وباب غضب أورث العدوان على خلق الله طرق الشيطان على العبد كل ذي لُبٍّ يعلم أنه لا طرق للشيطان عليه إلا من ثلاث
جهات : أحدها: التزيد والإسراف، فيزيد على قدر الحاجة، فتصير فضلةً وهي حظ الشيطان ومدخله إلى القلب. وطريق الاحتراز منه: إعطاء النفس تمام مطلوبها من غذاء أو نوم أو لذة أو راحة، فمتى أغلقت هذا الباب حصل
الأمان من دخول العدو منه . الثانية: الغفلة، فإن الذاكر في حصن الذكر، فمتى غفل فُتح باب الحصن، فولجه العدو، فيعسر أو يصعب إخراجه. الثالثة: تكلف ما لا يعنيه من جميع الأشياء. الصبر على الشهوة أسهل من
الصبر على ما توجبه الشهوة، فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة، وإما أن تقطع لذةً أكمل منها، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة، وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تذهب مالاً بقاؤه
خير له من ذهابه، وإما أن تضع قَدْراً وجاهاً قيامه خير من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، وإما أن تُـطَـرِّق لوضيعٍ إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب هـمّـاً
وغـمّـاً وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تُنْسي علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تُشَمِّت عدواً وتُحْزِن ولياً، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تُحْدِث عيباً يبقى صفة لا
تزول. فإن الأعمال تُـوَرِّثُ الصفات والأخلاق.
ابن القيم ....