كان سالم بن عبد الله بن الخطاب أشبه الناس سمتا بجده عمر بن الخطاب .. ولد في
المدينة وترعرع فيها ونشأ على التقوى والزهد .. كان قرة عين أبيه فقد أحبه حبا
عظيما لما رأى فيه من صفات الرجال وفضائل الإسلام...
عاش سالما عمرا حافلا بالتقى عامرا بالصلاح والهدى معرضا عن زينة الدنيا وزخرفها...
دخل على سليمان بن عبد الملك في المدينة المنورة وقد كانت تفيض بالخير والنعمة فقال
له سليمان: يا بن عمر ما طعامك؟ قال سالم: الخبز والزيت.. فقال سليمان: وتشتهيه يا
سالم؟!!! قال سالم: أترك الطعام حتى أشتهيه!
ولسليمان بن عبد الملك شؤون كثيرة .. فها هو يلقاه في الكعبة وقد استغرق في صلاته
وتسبيحه وركن بعدها إلى جدار وقد انشغل بذكر الله فقال له سليمان: سلني حاجة أقضها
لك يا أبا عمر! .. فلم يجب سالم... فكرر سليمان عليه القول .. فقال سالم: والله
لأستحي أن أكون في بيت الله عز وجل ثم أسأل أحد غيره !... فانتظر سليمان حتى خرجوا
من الكعبة وكرر عليه قائلا: ها نحن قد خرجنا من المسجد فسلني حاجة أقضيها لك! قال
سالم: أمن حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ .. استغرب سليمان وأخذته الدهشة وقال:
بل من حوائج الدنيا يا سالم! .. فنظر إليه وابتسامة عريضة على شفتيه وقال: إنني لم
أطلب حوائج الدنيا ممن يملكها ، فكيف اطلبها ممن لا يملكها؟ ...
ظل سالم بن عبد الله زاهدا في الدنيا .. جاهرا لكلمة الحق.. حتى إنه جلس يوما في
مجلس الحجاج فجيء إليه بطائفة من الرجال مقيدين بالحديد فسأله سالم: من هؤلاء؟ قال
الحجاج: هؤلاء بغاة مفسدون في الأرض مستبيحون لما حرم الله من الدماء ثم أعطاه سيفه
وأشار إلى رجل منهم قائلا: عليك به يا سالم فقم إليه واضرب عنقه... أخذ سالم السيف
من يد الحجاج وذهب إلى الرجل فلما كان عنده قال: أمسلم أنت؟ .. قال الرجل: نعم ،
ولكن لا شأن لك بذلك امض لإنفاذ ما أمرت به! .. قال سالم: وهل صليت الصبح؟.. قال
الرجل: قلت لك بأني مسلم فكيف تسألني إن كنت قد صليت الصبح ؟ هل تظن أن هناك مسلما
لا يصلي الصبح؟... فقال سالم: أسألك عن اليوم ، صبح هذا اليوم!.. قال الرجل: نعم...
فرجع سالم إلى الحجاج ورمى له بسيفه وقال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:\من صلى الصبح فهو في ذمة الله\... وإني لا أقتل رجلا دخل في ذمة الله عز
وجل... رحم الله سالما فقد ورث الجهر بالحق عن أبيه وجده فعاش عمره كله يفيض
بالتقوى ويعرض عن زينة الدنيا