الإسلام دين ربّانى واسع يتّسع لجميع أحوال البشر ..
==============================
وضع الله تبارك و تعالى للبشر عمومًا و للمُسلمين خصوصًا موازين و أسس و قواعد عقلية تقيهم شرّ الفساد من الإفراط أو التفريط فكانت تجلّيات عظمة هذه الموازين الربّانية ظاهرة بوضوح تام فى مدى تناسق و تنظيم
رسالة الإسلام العظيمة بالموازنة بين التجديد الدينى لإستقبال كلّ جديد بلا إشكال و بين الثبات على الأسس دون ضياع أو إهدار القيم و المقاصد و المعانى الدينية الأصيلة ..
فكانت البداية بتأكيد كون لفظ القرءان محفوظ يقينًا و مثله السُنّة معه فالله تبارك و تعالى قال ((إنّا نحن نزّلنا الذكر و إنّا له لحافظون)) و أثبت فى كتابه المحفوظ لزوم وجود السنّة مع القرءان فى قوله
تعالى ((ما ءاتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا)) و هذا موافق لقوله صلّى الله عليه و سلّم ((أوتيت القرءان و مثله معه)) فبذلك ثبت لنا بفضل الله حفظ القرءان لفظًا بالتواتر و كذلك حفظ السنّة
الشريفة بالتواتر و غلّب الظنّ فى فروع الفقه و الأحكام بأحاديث الآحاد التى تُفيد غلبة الظنّ و لزوم تقديمها عند الإستشهاد و الإحتكام للشرع ..
فبعد حفظ النصّ بالسند الصحيح أكمل الله لنا صحّة الفهم الدينى الصحيح بحفظ قواعد و أسس و أصول الإسلام من خلال حفظ الله تبارك و تعالى لها بالإجماع مصداقًا لقوله تعالى ((و اعتصموا بحبل الله جميعًا و لا
تفرّقوا)) و قوله أيضًا ((و من يُشاقق الرسول من بعد ماتبيّن له الهدى و يتّبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولّى و نصله جهنم و ساءت مصيرًا)) و قول رسوله الكريم ((لا تجتمع أمّتى على ضلالة)) فكان الإجماع
تصريحًا من الله تبارك و تعالى بصحّة ثبوت الحُكم و الفهم بما لا يجوز الخروج عليه بعد تمام ثبوت صحّة شروط و أركان الإجماع و على ضوء ذلك أجمع الصحابة رضوان الله عليهم أصدق و أعلم الناس بالشرع و التابعون
رضوان الله عليهم فى دربهم و من وراءهم على إثبات فهم موحّد فى تفسير الآيات الحاكمات أو الأحاديث الأمّهات و إثبات حُكم موحّد للمسائل الرئيسات و الأصوليات الحاكمات التى يسير عليها فهم الدين كلّه بفروعه
و مسائله مُحكمه و مُتشابهه فأصبح القرءان بالكامل و السنّة (بمتواترها و ءاحادها) كلاهما محفوظًا نصًا و فهمًا فلم يعد هناك مجال للتشكيك بأسس و مبادئ الدين أو العبث و التلاعب فى مقاصده و مبانيه و أحكامه
ممّا يضمن بقاء حقيقة الدين دون تحريف أو تلاعب كما تجلّى ذلك فى ثبوت الإجماع على كون القرءان 114 سورة و على ثبوت الإجماع على كون القرءان كلام الله و على كون الإجماع بوجوب تنزيه الله عن كلّ نقيصة و على
كون الإجماع بأنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم هو سيّد المُرسلين و خاتم النبيين فلا نبى بعده و على كون الإجماع بأنّ الطهارة تلزم لصحّة الصلاة و على كون الإجماع بوجوب إلتزام الترتيب فى أداء الصلاة و
على كون الإجماع بتحريم جماع الرجل زوجته أثناء وقت صيام شهر رمضان و ما غير ذلك من مواطن الإجماع التى حفظت أصول و أسس و قواعد و أحكام الدين من التلاعب و التحريف فى تفسير و تأويل و فهم الدين بالهوى أو
الجهل أو العقل السقيم المُنفلت ..
و لم يغفل الشارع تبارك و تعالى حاجة البشر للتجديد فى فهم الدين بما يحتاجونه حسب إختلاف الزمان و المكان و الظرف فأكمل لنا الدين و أتمّه علينا إذ ترك لنا الكثير من الآيات و الأحاديث الشريفة بلا تفسير
موحّد مفتوحًا بها أبواب الإجتهاد و الفهم و التأويل و التفسير المُتجدّد دومًا حسب معارف العقول التى عجزت فى الماضى عن فهم كامل مقاصد و معانى النصّ الشريف و لا تزال عاجزة إلى أن يشاء الله و على ذلك
يكون من المسموح لنا بل و من الواجب علينا أن نُعمل مبادئ التجديد و المواكبة للمُستجدّات و فى ضوء ذلك أعطانا الشرع الشريف مبدء إستعمال القياس العقلى لنُجارى النوازل و المُستجدّات العقلية و الطبيعية و
الشرعية فنلحق الحُكم القديم على الشيئ الجديد حسب العلّة الرابطة بين الشيئين و صفتهما كما فى إلحاق حُكم شرب المُخدّرات على شُرب الخمر ..