قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاثٍ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ
: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ، وَآيَةُ الْحِجَابِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ،
فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُنَّ : عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ
أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ . رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه .
ورواه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أُسارى بَدْر .
قال النووي : وَجَاءَ فِي الْحَدِيث الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذَا مُوَافَقَته فِي مَنْعِ الصَّلاة عَلَى الْمُنَافِقِينَ ، وَنُزُول الآيَة بِذَلِكَ ، وَجَاءَتْ مُوَافَقَته فِي تَحْرِيم الْخَمْر
. فَهَذِهِ سِتٌّ ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِه مَا يَنْفِي زِيَادَة الْمُوَافَقَة . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وقال ابن كثير : وفي رواية لمسلم ذَكَر أسارى بدر ، وهي قضية رابعة . اهـ.
وروى مسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَال : لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ أَنْ يُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ ، فَأَعْطَاهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ
عَلَيْهِ ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَال : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ،
وَسَأَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ ، قَالَ : إِنَّهُ مُنَافِق ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ
مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ .
قال ابن كثير : وهذا إسناد صحيح أيضًا ، ولا تعارض بين هذا ولا هذا ، بل الكل صحيح ، ومفهوم العدد إذا عارَضه منطوق قُدم عليه ، والله أعلم .
وقال ابن رجب : وقول عمر : " وافقت ربي في ثلاث " ، ليس بِصيغة حَصْر ، فقد وافق في أكثر من هذه الخصال الثلاث والأربع .
وقال ابن حجر : وَلَيْسَ فِي تَخْصِيصه الْعَدَد بِالثَّلاثِ مَا يَنْفِي الزِّيَادَة عَلَيْهَا ؛ لأَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ الْمُوَافَقَة فِي أَشْيَاء غَيْر هَذِهِ ، مِنْ مَشْهُورهَا : قِصَّة أُسَارَى
بَدْر ، وَقِصَّة الصَّلاة عَلَى الْمُنَافِقِينَ ، وَهُمَا فِي الصَّحِيح .
وقال : وَأَكْثَر مَا وَقَفْنَا مِنْهَا بِالتَّعْيِينِ عَلَى خَمْسَة عَشَر ، لَكِنْ ذَلِكَ بِحَسَب الْمَنْقُول . اهـ .
يعني : بِحسب المنقول صِحّة وضعفا .
وأما ما يتعلّق بقوله تعالى : فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، فقد رواه أبو داود الطيالسي وابن أبي حاتم في تفسيره من طريق علي بن زيد ، عن أنس ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وافقت
ربي ووافقني في أربع : نزلت هذه الآية : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ الآية ، قلت أنا: فتبارك الله أحسن الخالقين. فَنَزَلت : فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ .
وهذا إسناده ضعيف ، لِضعف عليّ بن زيد .
والله تعالى أعلم .