كتب المحل الأمريكي الدكتور سام هامود تحليلا لعملية اغتيال رفيق الحريري. يقول هامود إن لبنان وسوريا وكل الدول العربية خسارتها فادحة باغتيال الحريري وليست
لها أي مصلحة في هذه الجريمة. وقال إن أمريكا وإسرائيل هما المستفيد الوحيد من الاغتيال.
وقال إن أمريكا وإسرائيل تريدان أن يغرق لبنان في الفوضى، ويخططان لإجبار سوريا على الرحيل من لبنان، وللقضاء على حزب الله. واعتبر ان بمقدور أمريكا وإسرائيل أن يزعما الآن أن المنطقة غير مستقرة، وأنها
بحاجة إلى «الديمقراطية« الأمريكية، بل والاحتلال على غرار العراق. وبناء على هذا خلص هامود إلى أن اغتيال الحريري لا يمكن إلا أن يكون عملا نفذته الأجهزة الأمريكية والإسرائيلية. هذه النتيجة يؤكدها رد
الفعل الأمريكي لعملية الاغتيال. فكما أشرنا بالأمس كان غريبا جدا أن تبادر الإدارة الأمريكية بعد ساعات من الاغتيال بالتلميح المباشر إلى ضلوع سوريا فيه من دون أي دليل. الأكثر غرابة هو أن تقوم أمريكا
بسحب سفيرتها من دمشق، وأن تدفع مجلس الأمن إلى الحديث عن اتخاذ إجراءات ضد الجهة التي نفذت الاغتيال، والمقصود سوريا بالطبع. وكي تكتمل الصورة، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز« الأمريكية هذا التصريح الغريب عن
مسئول كبير في الإدارة الأمريكية. قال: «سوف نقوم بتصعيد الحملة على سوريا بعد الاغتيال. هذا أمر لا شك فيه. سنفعل هذا ولو انه لا يوجد أي دليل يربط بين سوريا والاغتيال«. إذن هذه الشواهد، وهذا التصريح
للمسئول الأمريكي الكبير يعني أن عملية اغتيال الحريري تم التخطيط لها وتنفيذها للوصول إلى هذه النتيجة بالذات. أي لاتخاذها ذريعة ومنطلقا لتنفيذ المخطط الذي يستهدف سوريا ولبنان وكل الدول العربية، وهو
المخطط الذي يحمل ملامحه قرار مجلس الأمن .1559 والكل يعلم أن مثل هذا الأسلوب القذر ليس غريبا أبدا عن أمريكا وإسرائيل. بل انه يمثل ركنا أساسيا في الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية في الماضي
والحاضر.
مؤخرا، كشف الصحفي الأمريكي سيمون هيرش النقاب عما اسمي «خيار السلفادور« الذي أقرته وبدأت تنفيذه الإدارة الأمريكية في العراق وفي دول أخرى. وهو الخيار الذي يقوم على تشكيل فرق خاصة تنفذ عمليات اغتيالات
وتجسس وأي عمليات إرهابية أخرى في الدول التي تعتبرها أمريكا معادية، وهذه الفرق تعمل خارج أي رقابة من الكونجرس الأمريكي. وفي أواخر الشهر الماضي، صدر كتاب في زيوريخ للدكتور دانييل جانسر من معهد الدراسات
الأمنية، يكشف فيه النقاب عن أن «خيار السلفادور« هذا ليس أمرا جديدا، بل انه امتداد لأسلوب سبق وانتهجته أمريكا والدول الاوروبية. كشف الكتاب النقاب عما اسمي «العملية جلاديو« التي نفذتها أمريكا والحكومات
الأوروبية في فترة الحرب الباردة والصراع مع الاتحاد السوفيتي والقوى الاشتراكية الأوروبية. و «جلاديو« كلمة لاتينية تعني السيف.
هذه العملية تمثلت في تشكيل قوات سرية في الدول الأوروبية مولت عملياتها المخابرات المركزية الامريكية. مهمة هذه القوات كانت تدبير وشن عمليات إرهابية ضد المدنيين في الدول الأوروبية ونسبتها إلى القوى
اليسارية الأوروبية. وفي إطار هذه العملية قامت هذه القوات السرية بالفعل بشن مئات العمليات الإرهابية في البرتغال وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وباقي الدول الأوروبية. شملت هذه العملية أيضا تمويل إرهابيين
من اليمينيين المعادين للشيوعية وتزويدهم بالمتفجرات لشن العمليات الإرهابية. الفكرة الجوهرية وراء «عملية جلاديو« هذه تمثلت في أنه إذا لم توجد عمليات إرهابية يمكن الاحتجاج بها، فإنه يجب خلق وتدبير هذه
العمليات. أحد الذين شاركوا في هذه العملية قال: «كان علينا أن نهاجم المدنيين من الأبرياء، نساء وأطفالا والذين لا علاقة لهم بلعبة السياسة. والهدف هو إجبار هؤلاء على أن يلجأوا إلى الدولة طلبا للحماية في
مواجهة الإرهاب المزعوم للقوى اليسارية«.
إذن ما بين «عملية جلاديو« في الماضي، وبين «خيار السلفادور« في الحاضر، الفكرة واحدة والهدف واحد في التفكير الأمريكي والإسرائيلي. إنه لا ينبغي انتظار تطورات وأحداث كبيرة يبررون بها ما يريدون فرضه على
الدول العربية والشروع في تنفيذ مخططاتهم، وإنما ينبغي المبادرة بتدبير وتنفيذ هذه الأحداث، سواء كانت اغتيالات أو أي أعمال إرهابية من أي نوع كان.
وهكذا، ليس من المبالغة القول إن اغتيال رفيق الحريري ليس سوى «عملية جلاديو« أمريكية إسرائيلية. إذن اغتيال الحريري هو عملية مقصود بها ان تكون إيذانا بإشهار السيف الأمريكي الإسرائيلي على رقبة سوريا
ولبنان وكل الدول العربية، وإيذانا ببدء مرحلة جديدة من مخطط استهداف العالم العربي.