يقول الكاتب أحمد لاشين اللاديني :
تعتمد الديانة الزرادشتية المنسوبة للمبشر أو نبي الديانة (زرادشت) على فكرة الفصل بين النور والظلمة،فالنور هو أصل كل الكائنات ورمزه في الديانة (أهورامزدا) ويعني العقل الكامل أو الوجود المطلق، والمقابل
له (أهريمن) وهو رمز الظلمة أو كل ما هو ضد النور بوصف أن النور أصل الحياة
أما ما يتعلق بتاريخ النبوة في الزرادشتية،فزرادشت مخلوق من نور الإله الذي إنتقل إلى السماء السادسة إلى الشمس والقمر إلى النجوم إلى النار،إلى بيت النار المقدسة التي يُقدسها الفرس بوصفها رمز للنور
الإلهي وليست معبودة في ذاتها،ثم إلى رحم زوجة صاحب بيت النار أو القائم عليه التي كانت حاملاً في فتاه هي أم زرادشت،وعندما وُلدت كانت تشع نوراً،ثم تتزوج الفتاة وتنجب زرادشت الذي أتى يتكلم في المهد،ويبشر
بالإله،ويشع نوراً ومعرفة أينما ذهب
أي أن فكرة النور هي الأساس في المذهب الزرادشتي،وإذا إتجهنا للتشيع، نلاحظ أنه ورد في كتب المذهب الشيعي بعد مرحلة التشيع الإيراني،مثل كتب (محمد باقر المجلسي وغيره)،والذي يُشكل ما جاء فيها أساس للمعتقد
الشيعي للأن،روي أن محمداً (عليه الصلاة والسلام)،وعلياً وفاطمة، والحسن والحسين مخلوقين قبل الوجود بأكمله وأن نور العرش من نور محمد،ونور الملائكة من نور علي،ونور السماوات والأرض من نور فاطمة،ونور
القمر،من الحسن،ونور الجنة وحور العين من نور الحسين)،أي أن الوجود مخلوق من نور الخمسة الرئيسيين في المذهب الشيعي،كما ورد أن أول خلق الله كان الأربعة عشر معصوماً الإثني عشر إماماً وفاطمة والنبي،فكانوا
نوراً يفيض من الله،ثم يحدث تكوين العالم بحيث يقيمون أسفل العرش الإلهي ومنهم يخلق العالم بالترتيب الآتي،مكان الأمكنة،العرش الكوني،السماوات،الملائكة،الهواء،الأبالسة،وأخيراً أدم.فنور الأئمة موجود قبل
خلق البشرية،وآدم مخلوق من دمج هذا النور الإلهي بالطين،وسيتحول هذا النور من نبي لنبي وصولاً للأولياء وهم الأئمة على المستوى البشري.فلهم مستويان في الفكر الشيعي،المستوى الأسطوري المقدس الموجود قبل
الوجود والمستوى التاريخي البشري الفاني أي فكرة الفناء الإنساني و خلود العنصر الإلهي في العالم المقدس السماوي ،ولكن كلها اعتماداً على فكرة قدسية النور.أي ان الديانة الزرادشتية والمذهب الشيعي متوحدين
من حيث العناصر المقدسة،ولا أقصد بالتمام والقطع أن الزرادشتية هي أصل التشيع،بوصف أن أحدهما يسبق الأخر تاريخياً ولكني أقصد أن العقل الإيراني حال تشيعه قد وحد بين مقداساته الخاصة القومية وبين
التشيع،فالمضمون واحد ولكن الشكل مختلف.
تشابه العناصر المقدسة:
من العناصر المقدسة في الديانة الزرادشتية الشمس،فهي رمز الضياء وهي المنوطة بتطهير الكون من الدنس الشيطاني،وهي المنوطة برعاية النور المقدس في أجساد البشر وسوف تستعيده منهم في نهاية الكون،ومن علامات
نهاية الكون في الزرادشتية إنكساف الشمس،والعودة إلى حالة الظلمة الأبدية،بوصف أن الضياء هو رمز الوجود.
وفي الحكايات المذهبية ،ورد أن الأئمة عندما يموتون يصعدون للشمس ،وأن الشمس قد كُسفت يوم مقتل الحسين دليل على زوال الوجود من العالم وتحوله لعدم بموته بل أن نور قد تصاعد من جسد الحسين بعد موته وصولاً
للسماء أي عودة النور لأصله السماوي المقدس كما الزرادشتية، كما أن الشمس قد توقفت لعلي حتى يُتم صلاته ،بل أنها سوف تشتعل ناراً يوم مجيئ المهدي،فنلاحظ التشابه في إستخدام الرموز المقدسة في كلا
السياقين.فكلاهما قد وحد بين الضياء والقداسة،والظلمة والعدم.وهناك العديد من العناصر المقدسة في كلا السياقين لا يتسع الحديث له الأن.
كما ورد في بعض الأحاديث المنسوبة للنبي (صلى الله عليه وسلم) والتي بحثت عنها في كتب الأحاديث السنية ولم أجد لها أثراً على الأقل فيما بحثت،أنه قال : ( إن المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب فأحرقوه)،وعندما
سُئل علي بن أبي طالب لماذا لا يأخذ الجزية من المجوس وهم ليسوا أهل كتاب أجاب : (بلى قد أنزل الله إليهم كتاباً وبعث لهم رسولاً)،ولا أحتج بكتب السنة على الشيعة ففي كلاهما ما فيهما من إشكاليات،ولكني أشير
فقط إلى المحاولات الفارسية لتمجيد الذات الدينية الإيرانية القديمة بما يتسق والدين الإسلامي في إطاره المذهبي.
تحديث للسؤال برقم 1
الطقوس:
من أهم الممارسات الإيرانية التي تشير إلى هذه الفكرة،عيد النوروز(النيروز )،وهو العيد القومي الإيراني الذي يُحتفل به للأن يوم 21 مارس وهو بداية السنة والتقويم الإيراني وله طقوسه الخاصة التي لا مجال
لطرحها الأن،وهو يوم عطلة رسمية في إيرن ومساوي لعيد شم النسيم المصري على إختلاف التوقيت،فهو عيد الربيع وبداية الكون في الفكر الزرادشتي،فهو عيد نصرة إله النور على الشيطان العدمي المظلم،وهو يوم إكتمال
نور الشمس،وبداية الحياة من جديد بعد تخريب أهريمن لها،وفي مرحلة تالية أصبح هذا العيد مرتبط بأحد ملوك الفرس الأسطوريين وهو (جمشيد) الذي أوكل له الإله بناء العالم بعد خرابه فأكتمل بناءه في هذا اليوم
فأصبح عيداً.ومن طقوسه في الزرادشتية زيارة قبور الموتى،والدعاء لهم وإستجلاب رضاهم وبركتهم.
وفي التشيع نلاحظ تسرب واضح لبعض المفاهيم القومية الإيرانية إلى المذهب ،فقد روي عن الإمام (جعفر الصادق)،الإمام السادس في التشيع،أن النوروز (أو النيروز)،هو يوم (غدير خُم)،وهو اليوم الذي بايع فيه النبي
علي بالخلافة من بعده في المعتقد الشيعي،وهو يوم غلبة علي في معركة النهروان التي تمت بينه وبين الخوارج،بل هو يوم عودة الإمام الغائب،المهدي المنتظر،ويوم خلق الله أدم من نور الأئمة،فهو حسب تعبيره المروي
عنه،(يوم الشيعة).فستكون فيه القيامة،فهو يوم الميعاد في الفكر الشيعي،ومن طقوس الإحتفال به في المذهب الشيعي،زيارة قبور أو أضرحة الأئمة والتوسل بهم والدعاء لهم،ونيل بركتهم.
أي أن رمزية البدايات والنهايات قد تم توحيدها في العقلية الإيرانية بشكل يجمع بين القومي والديني المذهبي،ومن ضمن الممارسات كذلك أن مكان ضريح الإمام علي الرضا الإمام الثامن في إيران في مشهد بخراسان هو
مكان دفن زرادشت وكأن العقل الإيراني قد قرر الحفاظ على كل مفهوم المقدس بتبادل الأدوار فقط ليس إلا أي الحفاظ على الدلالة الأسطورية للمكان بربطه بأشخاص لهم نفس الوقع المقدس في الوعي الإيراني.
تحديث للسؤال برقم 2
ذكر محمد علي أمير معزي الباحث الشيعي الإيراني في فرنسا بفخر ((أن المفاهيم الأساسية من الزرادشتية دخلت إلى التشيع حتى في بعض الجزئيات الصغيرة! و أصبح زواج سيدنا حسين ببنت آخر
ملوك آل ساسان رمزا لإيران القديمة ، بحيث أصبحت تلك الفتاة هي الأم الأولى لجميع أئمتهم و قد انعقد بها عقد الاخوة بين التشيع و إيران القديمة المجوسية)).
قال الإحقاقي :" إن الصدمات التي واجهها كل من شعبي إيران و الروم الكبيرين نتيجة لحملات المسلمين و المعاملة التي تلقوها من الأعراب , البدائيين الذين لا علم لهم بروح الإسلام العظيمة , أورثت في نفوسهم
نزعة صدود عن العرب , و شريعة العرب , فطبيعة سكان البادية الأوباش الخشنة، و ذلك الخراب و الدمار اللذين ألحقوهما بالمدن الجميلة , و الأراضي العامرة , في الشرق و الغرب , و غارات عباد الشهوات العطاشى إلى
عفة و ناموس الدولتين الملكية و الامبراطورية…الخ" انظر رسالة الإيمان ص 323 -
ميرزا حسن الحائري الإحقاقي - مكتبة الصادق - الكويت ط 2 / 1412